من صفات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الأعداء المباينين ، فضلا عن المؤمنين المسترشدين ، ثم الوصف بأنّه يتصدّى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء ، لا يشبه أخلاقه الكريمة ، ويؤيّد هذا القول قوله سبحانه في وصفه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤] وقوله : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩] ، فالظاهر أن قوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى) المراد به غيره. وقد روي عن الصادق عليهالسلام أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجاء ابن أم مكتوم ، فلما رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
فإن قيل : فلو صح الخبر الأوّل هل يكون العبوس ذنبا أم لا؟ فالجواب أن العبوس والانبساط مع الأعمى سواء ، إذ لا يشقّ عليه ذلك ، فلا يكون ذنبا ، فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق ، وينبّهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد ، ويعرّفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أولى من تأليف المشرك طمعا في إيمانه ، وقال الجبائيّ : في هذا دلالة على أن الفعل يكون معصية في ما بعد ، لمكان النهي ، فأما في الماضي ، فلا يدلّ على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه ، والله سبحانه لم ينهه إلّا في هذا الوقت.
وقيل : إن في ما فعله الأعمى نوعا من سوء الأدب ، فحسن تأديبه بالإعراض عنه ، إلا أنه كان يجوز أن يتوهّم أنه أعرض عنه لفقره ، وأقبل عليهم لرياستهم تعظيما لهم ، فعاتبه الله سبحانه على ذلك ، وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال : مرحبا مرحبا ، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا ، وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكفّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا يفعل به» (١).
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١٠ ، ص : ٦٦٤.