ولكن يظهر من سياق الآية أن المراد هو تذكير الإنسان بتطور وجوده ، ومواقع نعمة الله عليه ، لينتهي من خلال التفكير بذلك إلى الإيمان بالله وليبتعد عن خط الكفر به ، وليس المراد الحديث عن طبيعة مسئوليته ، في ما هو الجبر والاختيار ، لأن الجوّ ليس جوّ البحث في تفاصيل طبيعة خلق الإنسان في تكوينه الداخلي والخارجي.
(ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) عند ما انتهت رحلة الحياة في الأجل المحدّد له في ذاته من حيث طبيعة إمكانات الحياة فيه ، أو في دائرة الظروف المحيطة به ، من خلال علاقته بالواقع الكوني ، في ما خلقه الله من أسباب الحياة والموت. وهكذا أماته ، وجعل السنّة أن يدفن في باطن الأرض تكريما له لئلا تأكله السباع.
(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) وبعثه إلى الحياة من جديد ليواجه نتائج أعماله في الدنيا ، لأن الله لم يخلقه عبثا ، ولم يتركه سدى ، بل جعل لكل عمل جزاء ثوابا أو عقابا ، فهل فكر الإنسان في ذلك؟ وهل وعى ضرورة الاستعداد ليوم الحشر؟ (كَلَّا) فلم يفكر الإنسان تفكيرا دقيقا في هذا الموضوع ، ولو فكر به لرأى أن الاحتمال ـ وحده ـ يكفي لإثارة الاهتمام به ، لأنه يتصل بمسألة المصير في مواجهة الموقف ـ غدا ـ بين يدي الله ، مما قد يؤدي إلى الخسارة الخالدة ، لو كان حقا.
وهكذا امتد هذا الإنسان في غفلته ، و (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) الله به من مسئوليات وما فرضه عليه من شكر النعمة ، فعاش الحياة غافلا عن ربه ، مستغرقا في دنياه ، مقصرا في واجباته ، مهملا لدوره الذي أعده الله له في خلافته عنه.
وإذا كان هذا الإنسان لا يعي مسألة الوجود في بدايته وفي تقديره ، وفي موته ونشوره ، لأنه لا يستغرق عادة في طبيعة كيانه ، باعتبار أنه ليس منفصلا