الأرض ، فعندئذ كانت كل العناصر حرّة ، ولذا لم يكن في الإمكان وجود تركيب كيميائيّ ذي شأن. ولما أخذت الكرة الأرضية أو الأجزاء المكوّنة لها في أن تبرد تدريجيا ، حدثت تركيبات ، وتكوّنت خليّة العالم كما نعرفه. وما كان للأوكسجين والهيدروجين أن يتّحدا إلا بعد أن هبطت درجة الحرارة إلى ٤٠٠٠ درجة فهرنهايت. وعند هذه النقطة اندفعت معا تلك العناصر ، وكوّنت الماء الذي نعرّفه الآن أنه هواء الكرة الأرضية ، ولا بد أنه كان هائلا في ذلك الحين. وجميع المحيطات كانت في السماء ، وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت كانت غازات في الهواء. وبعد أن تكوّن الماء في الجوّ الخارجي ، سقط نحو الأرض ، ولكنه لم يستطع الوصول إليها ، إذ كانت درجة الحرارة على مقربة من الأرض أعلى مما كانت على مسافة آلاف الأميال. وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانيا في شكل بخار. ولما كانت المحيطات في الهواء ، فإن الفيضانات التي كانت تحدث مع تقدم التبريد ، كانت فوق الحسبان ، وتمشّي الجيشان مع التفتت (١).
وقد لا نستطيع التأكد من هذه التصورات العلمية ، كما لا نتمكن من إخضاع المضمون القرآني لها ، ولكنا نجد ، في هذه الظاهرة المحسوسة ، في صب الماء من السماء ، توجيها للفكر الإنساني ، ليتأمله ، وليتعمق في دراسته ، وفي القوانين الإلهية الكونية التي تحكمه ، ليزداد بذلك معرفة ، فيزداد بالمعرفة إيمانا ، لأن أيّ تفسير ينطلق من القانون الإلهي ، لا بد من أن يثير الشعور بالعظمة في التدبير والتقدير.
* * *
__________________
(١). نقلا عن : في ظلال القرآن ، م : ٨ ، ج : ٣٠ ، ص : ٤٦٩ ـ ٤٧٠.