وصححه عن أنس ، أنّ عمر قرأ على المنبر : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً ـ) إلى قوله ـ (وأبا) قال : كل هذا قد عرفناه ، فما الأبّ؟ ثم رفع عصا كانت في يده ، فقال : هذا لعمر الله هو التكلف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ؟ اتبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب ، فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه» (١).
وقد نستوحي من هاتين الروايتين أن عظماء الصحابة كانوا لا يملكون المعرفة الشاملة للقرآن ، وأنهم كانوا يتحرّجون من القول في القرآن بغير علم ، فيقفون عند ما لا يعرفون ويتكلّمون بما يعرفون.
(مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) في ما أراده الله من تهيئة الظروف التي تتيح لكم الاستمرار في الحياة من خلال تهيئة كل حاجاتها الطبيعية.
وهكذا نلاحظ أن الله أراد من الإنسان أن لا يجلس إلى الطعام جلسة مستغرفة في الحاجة ، وفي الرغبة في اللذة ، ولكنه أراد له أن يجلس إليه جلسة تأمّل وتفكير ، ليتعرف ـ من خلال ذلك ـ إلى مواقع العظمة ، ومصادر النعمة ، ليعرف ربّه ، ولينطلق من خلال هذه المعرفة في خط طاعته وتقواه وشكره على نعمه.
* * *
__________________
(١) السيوطي ، جلال الدين ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، دار الفكر ، ١٩٩٣ م ـ ١٤١٤ ه ، ج : ٨ ، ص : ٤٢١ ـ ٤٢٢.