الله النّاس فيّ حين ردّ إليّ ملكي ، فأنا أطيع النّاس في دين الله! معاذ الله من ذلك.
وكان أبو النّجاشيّ ملك الحبشة ، فمات والنّجاشيّ صبيّ ، فأوصى إلى أخيه أنّ إليك ملك قومك حتى يبلغ ابني ، فإذا بلغ فله الملك ، فرغب أخوه في الملك ، فباع النّجاشيّ لتاجر ، وبادر بإخراجه إلى السفينة ، فأخذ الله عمّه قعصا (١) فمات ، فجاءت الحبشة بالتّاج ، وأخذوا النّجاشيّ فملّكوه ، وزعموا أنّ التاجر قال : ما لي بدّ من غلامي أو مالي ، قال النّجاشيّ : صدق ، ادفعوا إليه ماله.
قال : فقال النّجاشيّ حين كلّمه جعفر : ردّوا إلى هذا هديّته ـ يعني عمرا ـ والله لو رشوني على هذا دبر ذهب ـ والدّبر بلغته الجبل ـ ما قبلته ، وقال لجعفر وأصحابه : امكثوا آمنين ، وأمر لهم بما يصلحهم من الرّزق.
وألقى الله العداوة بين عمرو وعمارة بن الوليد في مسيرهما ، فمكر به عمرو وقال : إنّك رجل جميل ، فاذهب إلى امرأة النّجاشيّ فتحدّث عندها إذا خرج زوجها ، فإنّ ذلك عون لنا في حاجتنا ، فراسلها عمارة حتى دخل عليها ، فلمّا دخل عليها انطلق عمرو إلى النّجاشيّ فقال : إنّ صاحبي هذا صاحب نساء ، وإنّه يريد أهلك فاعلم علم ذلك ، فبعث النّجاشي ، فإذا عمارة عند امرأته ، فأمر به فنفخ في إحليله سحرة ثم ألقي في جزيرة من البحر ، فجنّ ، وصار مع الوحش ، ورجع عمرو خائب السّعي (٢).
وقال البكّائيّ : قال ابن إسحاق (٣) : حدّثني الزّهريّ ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أمّ سلمة قالت : لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير
__________________
(١) أي قتلا سريعا. كما في (النهاية).
(٢) انظر الخبر في : دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٦٢ ـ ٦٥ ، ودلائل النبوّة لأبي نعيم ١ / ٨٠ ، ٨١.
(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٧ ، السير والمغازي ٢١٣ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢٠٤.