جار النّجاشيّ ، أمنّا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى ، لا نؤذى ، ولا نسمع ما نكره (١) ، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنّجاشيّ ، فبعثوا بالهدايا مع عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص. وذكر القصّة بطولها ، وستأتي إن شاء الله ، رواها جماعة ، عن ابن إسحاق.
وذكر الواقديّ أنّ الهجرة الثانية كانت سنة خمس من المبعث.
وقال حديج (٢) بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود قال : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى النّجاشيّ ، ونحن ثمانون رجلا ، ومعنا جعفر ، وعثمان بن مظعون ، وبعثت قريش عمارة ، وعمرو بن العاص ، وبعثوا معهما بهديّة إلى النّجاشيّ ، فلمّا دخلا عليه سجدا له ، وبعثا إليه بالهديّة ، وقالا : إنّ ناسا من قومنا رغبوا عن ديننا ، وقد نزلوا أرضك ، فبعث إليهم ، فقال لنا جعفر : أنا خطيبكم اليوم ، قال : فاتّبعوه حتى دخلوا على النّجاشيّ ، فلم يسجدوا له ، فقال : وما لكم لم تسجدوا للملك؟ فقال : إنّ الله قد بعث إلينا نبيّه ، فأمرنا أن لا نسجد إلّا لله ، فقال النّجاشيّ : وما ذاك؟ قال عمرو : إنّهم يخالفونك في عيسى ، قال : فما تقولون في عيسى وأمّه؟ قال : نقول كما قال الله ، هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول ، التي لم يمسّها بشر ، ولم يفرضها ولد ، فتناول النّجاشيّ عودا فقال : يا معشر القسّيسين والرّهبان ، ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذا ، فمرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، وأنا أشهد أنه نبيّ ، ولوددت أنّي عنده فأحمل نعليه ـ أو قال أخدمه ـ فانزلوا حيث شئتم من أرضي ، فجاء
__________________
(١) في السيرة ٢ / ٨٧ ، وطبقات ابن سعد ١ / ٢٠٤ «نكرهه».
(٢) حديج : بالحاء المهملة المضمومة ، وفتح الدال المهملة ، وفي (ع) وما سيأتي «جريج» وهو تصحيف.