براذين وبغال؟ قلنا : والله لا ندخل إلّا عليها ، فأرسلوا ، إلى الملك أنّهم يأبون ، فدخلنا على رواحلنا متقلّدين سيوفنا ، حتّى انتهينا إلى غرفة له ، فأنخنا في أصلها ، وهو ينظر إلينا ، فقلنا : لا إله إلّا الله والله أكبر ، والله يعلم لقد تنقّضت الغرفة حتى صارت كأنّها عذق (١) تصفّقه الرّياح (٢) ، فأرسل إلينا : ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم ، وأرسل إلينا أن ادخلوا ، فدخلنا عليه ، وهو على فراش له ، عنده بطارقته من الروم ، وكلّ شيء في مجلسه أحمر ، وما حوله حمرة ، وعليه ثياب من الحمرة ، فدنونا منه ، فضحك وقال : ما كان عليكم لو حيّيتموني بتحيّتكم فيما بينكم ، فإذا عنده رجل فصيح بالعربيّة ، كثير الكلام ، فقلنا : إنّ تحيّتنا فيما بيننا لا تحلّ لك ، وتحيّتك التي تحيّا بها لا يحلّ لنا أن نحيّيك بها ، قال : كيف تحيّتكم فيما بينكم؟ قلنا : «السلام عليك» ، قال : فيم تحيّون ملككم؟ قلنا : بها ، قال : وكيف يردّ عليكم؟ قلنا : بها ، قال : فما أعظم كلامكم؟ قلنا : (لا إله إلّا الله والله أكبر) فلمّا تكلّمنا بها قال : والله يعلم لقد تنقّضت الغرفة ، حتّى رفع رأسه إلينا فقال : هذه الكلمة التي قلتموها حيث تنقّضت الغرفة كلّما قلتموها في بيوتكم تنقّض بيوتكم عليكم؟ قلنا : لا ، ما رأيناها فعلت هذا قطّ إلّا عندك ، قال : لوددت أنّكم كلّما قلتم ينقض كلّ شيء عليكم ، وإنّي خرجت من نصف ملكي ، قلنا : لم؟ قال : لأنّه كان أيسر لشأنها ، وأجدر أن لا يكون من أمر النّبوّة ، وأن يكون من حيل النّاس.
ثم سألنا عمّا أراد ، فأخبرناه ، ثم قال : كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه ، فقال : قوموا ، فقمنا ، فأمر بنا بمنزل حسن ونزل كثير ، فأقمنا ثلاثا ، فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه ، فاستعاد قولنا ، ثمّ دعا بشيء كهيئة
__________________
(١) العذق ـ بالفتح ـ النّخلة ، وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ.
(٢) هنا زيادة سطر عمّا ورد في (السيرة الشامية).