أمرىء ما قدّم قادم ، وعلى ما خلّف نادم » (١).
الحديث الثامن والعشرون : عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « أيها الناس ، بسيط الأمل متقدم حلول الأجل ، والمعاد مضمار العمق ، فمغتبط بما احتقب غانم ، ومبتئس بما فاته نادم.
أيها الناس ، إن الطمع فقر ، واليأس غنى ، والقناعة راحة ، والعزلة عبادة ، والعمل كنز ، والدنيا معدن ، والله ما يساوى ما مضى من دنياكم هذه بأهداب بُردي هذا ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء ، وكلّ إلى بقاء وشيك وزوال قريب ، فبادروا العمل وأنتم في مهل الأنفاس ، وجدّة الأحلاس (٢) ، قبل أن تؤخذوا بالكظم (٣) فلا ينفع الندم » (٤).
التاسع والعشرون : عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « تكون أمتي في الدنيا ثلاثة أطباق :
أما الطبق الأول : فلا يحبّون جمع المال وادخاره ، ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره ، وإنما رضاهم من الدنيا سد جوعة وستر عورة ، وغناهم فيها ما بلغ بهم الآخرة ، فأولئك الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وأما الطبق الثاني : فإنّهم يحبّون جمع المال من أطيب وجوهه وأحسن سبله ، يصلون به أرحامهم ، ويبرّون به إخوانهم ، ويواسون به فقراءهم ، ولعضُّ أحدهم على الرضف (٥) ، أيسر عليه من أن يكتسب درهماً من غير حلّه ، أويمنعه من حقه أن يكون له خازناً إلى حين موته ، فأولئك الذين إن نوقشوا عذّبوا ، وإن عفي عنهم سلموا.
وأما الطبق الثالث : فإنهم يحبٌون جمع المال ممّا حلّ وحرم ، ومنعه ممّا افترض ووجب ، إن أنفقوه أنفقوا إسرافاً وبداراً ، وإن امسكوه أمسكوا بخلاً واحتكاراً ، اُولئك الذين ملكت الدنيا زمام قلوبهم ، حتى أوردتهم النار بذنوبهم » (٦).
__________________
١ ـ البحار ٧٧ : ١٨٣.
٢ ـ الأحلاس : جمع حلس ، وهو قماش يبسط في البيت تحت الثياب « القاموس المحيط ـ حلس ـ ٢ : ٢٠٧ ».
٣ ـ الكظم : مخرج ألنفس « القاموس ـ كظم ـ ٤ : ١٧٢ ».
٤ ـ بحار الأنوار ٧٧ : ١٨٣ عن أعلام الدين.
٥ ـ الرضف : الحجارة المحماة. « الصحاح ـ رضف ـ ٤ : ١٣٦٥ ».
٦ ـ بحار الأنوار ٧٧ : ١٨٤ عن أعلام الدين.