قال فأسرج فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا فتشامت الخيلان فولى المسلمون مدبرين كمال قال الله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله» ثم قال : «يا معشر المهاجرين أنا عبد الله ورسوله» قال ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال : «شاهت الوجوه» فهزمهم الله تعالى. قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد ، وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال : فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليه فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه وأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد وانحاز رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات اليمين يقول : «أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله» فلا شيء وركبت الإبل بعضها بعضا فلما رأى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أمر الناس قال : «يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة» فأجابوه لبيك ، لبيك ، فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه في عنقه ويأخذ سيفه وقوسه ثم يؤم الصوت حتى اجتمع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم مائة فاستعرض الناس فاقتتلوا وكانت الدعوة أول ما كانت بالأنصار ثم جعلت آخرا بالخزرج وكانوا صبراء عند الحرب وأشرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ركابه فنظر إلى مجتلد القوم فقال : «الآن حمي الوطيس» قال : فو الله ما راجعه الناس إلا والأسارى عند رسول الله ملقون فقتل الله منهم من قتل وانهزم منهم ما انهزم وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم (١).
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رجلا قال له : يا أبا عمارة أفررتم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم حنين؟ فقال : لكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يفر إن هوازن كانوا قوما رماة فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا فأقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فانهزم الناس فلقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته البيضاء وهو يقول :
«أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب» (٢) |
__________________
(١) انظر سيرة ابن هشام ٢ / ٤٤٢ ، ٤٤٥.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٥٢ ، ومسلم في الجهاد حديث ٨٠.