الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] وسيف للمنافقين (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) وسيف للبغاة (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩] وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق وهو اختيار ابن جرير (١).
وقال ابن مسعود في قوله تعالى : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) قال : بيده فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه (٢). وقال ابن عباس : أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم (٣) ، وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم (٤) ، وعن مقاتل والربيع مثله ، وقال الحسن وقتادة مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم ، وقد يقال إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال ، والله أعلم.
وقوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) قال قتادة : نزلت في عبد الله بن أبي وذلك أنه اقتتل رجلان جهني وأنصاري فعلا الجهني على الأنصاري ، فقال عبد الله للأنصار ألا تنصروا أخاكم؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله فيه هذه الآية (٥).
وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة قال : فحدثني عبد الله بن الفضل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : حزنت على من أصيب بالحرة من قومي فكتب إلي زيد بن أرقم وبلغه شدة حزني يذكر أنه سمع رسول الله يقول : «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار» وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار قال ابن الفضل : فسأل أنس بعض من كان عنده عن زيد بن أرقم فقال : هو الذي يقول له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوفى الله له بإذنه» قال : وذلك حين سمع رجلا من المنافقين يقول ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب : لئن كان صادقا فنحن شر من الحمير ، فقال زيد بن أرقم : فهو والله صادق ولأنت شر من الحمار. ثم رفع ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجحده القائل فأنزل الله هذه الآية تصديقا لزيد ، يعني قوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ / ٤١٩.
(٢) تفسير الطبري ٦ / ٤١٩.
(٣) تفسير الطبري ٦ / ٤٢٠.
(٤) تفسير الطبري ٦ / ٤٢٠.
(٥) تفسير الطبري ٦ / ٤٢٢.