حديث آخر في معناه. قال الطبراني : حدثنا محمد بن علي المروزي ، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر ، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم ، فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلا ، ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه ، وقالوا ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث الله في أمته شيئا لا تطيقه ، فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال : «ما يبكيكم؟» قالوا يا نبي الله بكينا لبكائك ، فقلنا لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه ، قال : «لا ، وقد كان بعضه ، ولكن نزلت على قبر أمي فسألت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت ، ثم جاءني جبريل فقال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه ، فرحمتها وهي أمي ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم اثنتين وأبي أن يرفع عنهم اثنتين ، ودعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج» وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم (١) ، وهذا حديث غريب وسياق عجيب.
وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة ، أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت ، وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون : إن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية في هذا الاستدلال ، بما حاصله أن هذه حياة جديدة كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها ، فصلى علي العصر ، قال الطحاوي : وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس ، قال القرطبي : فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا ، قال وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به ، (قلت) وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صح فلا مانع منه ، والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عزوجل عن ذلك ، فقال «إن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه» فأنزل الله (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) (٢) الآية ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية ، كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية ، فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ، ثم
__________________
(١) انظر الدر المنثور ٣ / ٥٠٦ ، ٥٠٧ ، وأضاف : وبها ولد النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦ / ٤٨٩.