وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يحيى بن آدم ، أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت : أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال : أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، قال لما مات فلا أدري ، قاله سفيان أو قاله إسرائيل أو هو في الحديث لما مات ، (قلت) : هذا ثابت عن مجاهد أنه قال لما مات.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ونحن في سفر ، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب ، فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال : يا رسول الله ما لك؟ قال «إني سألت ربي عزوجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكرا».
وروى ابن جرير (٣) من حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبيصلىاللهعليهوسلم لما قدم مكة ، أتى رسم قبر فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرا ، فقلنا يا رسول الله إنا رأينا ما صنعت. قال : «إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي» فما رئي باكيا أكثر من يومئذ.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ، قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها ، فناجاه طويلا ثم بكى فب كينا لبكائه ، ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا ، فقال «ما أبكاكم؟» فقلنا بكينا لبكائك. قال : «إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي» (٤) ثم أورده من وجه آخر ، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه ، وفيه «وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل علي (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنها تذكر الآخرة».
__________________
(١) المسند ١ / ٩٩.
(٢) المسند ٥ / ٣٥٥.
(٣) تفسير الطبري ٦ / ٤٨٩.
(٤) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٥٠٧.