فتقدم إليه الحباب بن المنذر فقال يا رسول الله هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك الله إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال «بل منزل نزلته للحرب والمكيدة» فقال يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب ، ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء فسار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ففعل كذلك (١).
وفي مغازي الأموي أن الحباب لما قال ذلك نزل ملك من السماء وجبريل جالس عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال ذلك الملك ، يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر فالتفت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جبريل عليهالسلام فقال «هل تعرف هذا»؟ فنظر إليه فقال : ما كل الملائكة أعرفهم وإنه ملك وليس بشيطان.
وأحسن ما في هذا ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي رحمهالله حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال : بعث الله السماء وكان الوادي دهسا فأصاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وأصحابه ما لبد لهم الأرض ، ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه وقال مجاهد : أنزل الله عليهم المطر قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الأرض وطابت نفوسهم وثبتت به أقدامهم.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا هارون بن إسحاق حدثنا مصعب بن المقدام حدثنا إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن حارثة عن علي رضي الله عنه قال : أصابنا من الليل طش من المطر يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحرض على القتال.
وقوله (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) أي من حدث أصغر أو أكبر وهو تطهير الظاهر (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) أي من وسوسة أو خاطر سيئ وهو تطهير الباطن كما قال تعالى في حق أهل الجنة (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) فهذا زينة الظاهر (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) أي مطهرا لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهو زينة الباطن وطهارته (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء وهو شجاعة الباطن (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) وهو شجاعة الظاهر ، والله أعلم.
وقوله (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها وهو أنه تعالى وتقدس وتبارك وتمجد أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا قال ابن إسحاق : وازروهم. وقال غيره : قاتلوا معهم وقيل كثروا سوادهم وقيل كان ذلك بأن
__________________
(١) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٦٢٠.
(٢) تفسير الطبري ٦ / ١٩٣.