اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام ، وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وطائفة من السلف في ذلك ما رواه ابن جرير (١) وغيره ، والله أعلم. وقيل : المراد بهمه بها خطرات حديث النفس ، حكاه البغوي عن بعض أهل التحقيق ، ثم أورد البغوي هاهنا حديث عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى : إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ، وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإنما تركها من جرائي ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها» (٢) ، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة هذا منها.
وقيل : هم بضربها. وقيل : تمناها زوجة. وقيل : (هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي فلم يهم بها ، وفي هذا القول نظر من حيث العربية ، حكاه ابن جرير وغيره. وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا ، فعن ابن عباس وسعيد ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة وأبي صالح والضحاك ومحمد بن إسحاق وغيرهم : رأى صورة أبيه يعقوب عليهالسلام عاضا على إصبعه بفمه. وقيل عنه في رواية : فضرب في صدر يوسف. وقال العوفي عن ابن عباس : رأى خيال الملك يعني سيده ، وكذا قال محمد بن إسحاق فيما حكاه عن بعضهم : إنما هو خيال قطفير سيده حين دنا من الباب.
وقال ابن جرير (٣) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع عن أبي مودود ، سمعت من محمد بن كعب القرظي. قال رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت ، فإذا كتاب في حائط البيت (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٣٢] ، وكذا رواه أبو معشر المدني عن محمد بن كعب. وقال عبد الله بن وهب : أخبرني نافع بن يزيد ، عن أبي صخر ، قال : سمعت القرظي يقول : في البرهان الذي رآه يوسف ثلاث آيات من كتاب الله (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) [الانفطار : ١٠] الآية ، وقوله : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) [يونس : ٦١] الآية ، وقوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] قال نافع : سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي ، وزاد آية رابعة (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء : ٣٣]. وقال الأوزاعي رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه عن ذلك.
قال ابن جرير (٤) : والصواب أن يقال : إنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به ، وجائز أن يكون صورة يعقوب ، وجائز أن يكون صورة الملك ، وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من الزجر عن ذلك ، ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك ، فالصواب أن يطلق كما قال الله
__________________
(١) تفسير الطبري ٧ / ١٨١.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٣١ ، ومسلم في الإيمان ٢٠٦ ، ٢٠٧.
(٣) تفسير الطبري ٧ / ١٨٨.
(٤) تفسير الطبري ٧ / ١٨٩.