يوسف ، فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً).
قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والسدي وغيرهم : هو المجلس المعد فيه مفارش ، ومخاد ، وطعام فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه ، ولهذا قال تعالى : (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر (فَلَمَّا) خرج و (رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه أي أعظمن شأنه ، وأجللن قدره ، وجعلن يقطعن أيديهن دهشا برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين ، والمراد أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد ، وعن مجاهد وقتادة : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، فالله أعلم.
وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن ، ثم وضعت بين أيديهن أترجا وآتت كل واحدة منهن سكينا : هل لكن في النظر إلى يوسف؟ قلن : نعم ، فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن ، فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلا ومدبرا ، فرجع وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا ، فكيف ألام أنا؟.
(وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبيهه ولا قريبا منه ، فإنه عليهالسلام كان قد أعطي شطر الحسن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مر بيوسف عليهالسلام في السماء الثالثة ، قال «فإذا هو قد أعطي شطر الحسن» (١).
وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن» (٢). وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن (٣). وقال أبو إسحاق أيضا ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به. ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين» ، أو قال «أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث». وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ربيعة الجرشي قال : قسم الحسن نصفين فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن ، والنصف الآخر بين سائر الخلق.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٥٩.
(٢) تفسير الطبري ٧ / ٢٠٥.
(٣) تفسير الطبري ٧ / ٢٠٥.