جرير (١) والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك ، وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام ، كما أن نوحا أول من قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) [نوح : ٢٨] ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك ، وهو ظاهر سياق قول قتادة ، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا.
قال الإمام أحمد بن حنبل (٢) رحمهالله : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان ولا بد متمنيا الموت ، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» وأخرجاه في الصحيحين ، وعندهما «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فيزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب ، ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» (٣).
وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : جلسنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرنا ورققنا ، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء ، وقال : يا ليتني مت ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا سعد أعندي تتمنى الموت؟» فردد ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : «يا سعد إن كنت خلقت للجنة ، فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك».
وقال الإمام أحمد (٥) : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس ، وهو سليم بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولا يدع به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله ، فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمره ، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا» تفرد به أحمد ، وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به ، وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت ، كما قال الله تعالى إخبارا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) [الأعراف : ١٢٦] وقالت مريم لما أجاءها المخاض ، وهو الطلق ، إلى جذع النخلة : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ٢٣] لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة ، لأنها لم تكن ذات زوج ، وقد حملت ووضعت ، وقد قالوا : (يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم : ٢٧ ـ ٢٨] فجعل الله لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا ، وأنطق
__________________
(١) تفسير الطبري ٧ / ٣٠٩.
(٢) المسند ٣ / ١٠١.
(٣) أخرجه البخاري في المرضى باب ١٩ ، ومسلم في الذكر حديث ١٠.
(٤). ٥ / ٢٦٦ ، ٢٦٧.
(٥) المسند ٢ / ٣٥٠.