وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤] الآية ، وفي قوله : (كُذِبُوا) قراءتان إحداهما بالتشديد قد كذبوا ، وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقرؤها.
قال البخاري (١) : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا؟ قالت عائشة كذبوا. قلت فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن؟ : قالت : أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك ، فقلت لها : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها قلت : فما هذه الآية؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاء نصر الله عند ذلك ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعبة عن الزهري قال : أخبرنا عروة فقلت لها : لعلها قد كذبوا مخففة؟ قالت : معاذ الله. انتهى ما ذكره.
وقال ابن جريج : أخبرني ابن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) خفيفة. قال عبد الله هو ابن أبي مليكة ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا ، ثم تلا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) [البقرة : ٢١٤] قال ابن جريج : وقال لي ابن أبي مليكة ، وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمدا صلىاللهعليهوسلم من شيء إلا قد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة ، كانت عائشة تقرؤها (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) مثقلة من التكذيب (٢).
وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال : جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال : إن محمد بن كعب القرظي قرأ هذه الآية (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) فقال القاسم : أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم تقول : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) تقول : كذبهم أتباعهم إسناد صحيح أيضا.
والقراءة الثانية بالتخفيف ، واختلفوا في تفسيرها ، فقال ابن عباس ما تقدم. وعن ابن مسعود فيما رواه سفيان الثوري عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قرأ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) مخففة ، قال عبد الله : هو الذي تكره(٣).
__________________
(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١٢ ، باب ٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٣٢١.
(٣) انظر تفسير الطبري ٧ / ٣١٩.