الأنصار ، ثم إنهما هما بالفتك برسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل أحدهما يخاطبه ، والآخر يستل سيفه ليقتله من ورائه ، فحماه الله تعالى منهما وعصمه ، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب يجمعان الناس لحربه عليه الصلاة والسلام ، فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته ، وأما عامر بن الطفيل ، فأرسل الله عليه الطاعون فخرجت فيه غدة عظيمة ، فجعل يقول : يا آل عامر غدة كغدة البكر ، وموت في بيت سلولية (١) ، حتى ماتا لعنهما الله ، وأنزل الله في مثل ذلك (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) ، وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخو أربد يرثيه : [المنسرح]
أخشى على أربد الحتوف ولا |
|
أرهب نوء السّماك والأسد (٢) |
فجّعني الرعد والصواعق باك |
|
فارس يوم الكريهة النّجد |
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا مسعدة بن سعيد العطار ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثني عبد العزيز بن عمران ، حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب ، وعامر بن الطفيل بن مالك ، قدما المدينة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين يديه ، فقال عامر بن الطفيل : يا محمد ، ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم». قال عامر بن الطفيل : أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس ذلك لك ولا لقومك ، ولكن لك أعنة الخيل» قال : أنا الآن في أعنة خيل نجد ، اجعل لي الوبر ولك المدر.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا» ، فلما قفلا من عنده قال عامر : أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يمنعك الله» ، فلما خرج أربد وعامر ، قال عامر : يا أربد ، أنا أشغل عنك محمدا بالحديث فاضربه بالسيف ، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب ، فنعطيهم الدية. قال أربد : أفعل ، فأقبلا راجعين إليه ، فقال عامر : يا محمد قم معي أكلمك ، فقام معه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجلسا إلى الجدار ، ووقف معه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكلمه ، وسل أربد السيف ، فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف ، فلم يستطع سل السيف ، فأبطأ أربد على عامر بالضرب.
فالتفت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرأى أربد وما يصنع ، فانصرف عنهما ، فلما خرج عامر وأربد من
__________________
(١) أغدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية : مثل يضرب في خصلتين إحداهما شر من الأخرى. والبكر : ولد الناقة ، والغدة : طاعون الإبل ، وقلما تسلم منه ، وأما سلول : قبيلة من أدنى العرب وأذلهم ، وكان عامر قد نزل بيت امرأة من سلول ، فضرب هذا المثل عندهم.
(٢) البيتان للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ١٥٨ ، وتفسير الطبري ٧ / ٣٥٦ ، والبيت الثاني في لسان العرب (فجع) ، (صعق) ، وتهذيب اللغة ١ / ٣٨٥ ، وتاج العروس (فجع)