ميزانه ، فجاءته أفراطه فثقلوا ميزانه.
ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم ، فجاءه وجله من الله فاستنقذه من ذلك ومضى ، ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله في الدنيا ، فاستخرجته من النار ، ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا ، فجاءته صلاته عليّ ، فأخذت بيده ، فأقامته ومضى على الصراط ، ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى باب الجنة ، فغلقت الأبواب دونه ، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة» ، قال القرطبي بعد إيراده هذا الحديث من هذا الوجه : هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالا خاصة تنجي من أهوال خاصة ، أورده هكذا في كتابة التذكرة.
وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثا غريبا مطولا فقال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم النكري ، حدثنا محمد بن بكر البرساني أبو عثمان ، حدثنا أبو عاصم الحبطي ، وكان من أخيار أهل البصرة ، وكان من أصحاب حزم ، وسلام بن أبي مطيع ، حدثنا بكر بن خنيس عن ضرار بن عمرو ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك عن تميم الداري ، عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : يقول الله عزوجل لملك الموت : انطلق إلى وليي فأتني به ، فإني قد ضربته بالسراء والضراء ، فوجدته حيث أحب ، ائتني به فلأريحنه.
فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من الجنة ، ومعهم ضبائر (١) الريحان أصل الريحانة واحد ، وفي رأسها عشرون لونا لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر (٢) ، فيجلس ملك الموت عند رأسه وتحف به الملائكة ، ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه ، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر تحت ذقنه ، ويفتح له باب إلى الجنة ، فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة تارة بأزواجها ، وتارة بكسوتها ، ومرة بثمارها كما يعلل الصبي أهله إذا بكى ، قال : إن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشا (٣).
قال : وتبرز الروح ، قال البرساني : يريد أن تخرج من العجل إلى ما تحب ، قال : ويقول ملك الموت ، اخرجي يا أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود ، وطلح منضود ، وظل ممدود ، وماء مسكوب ، قال : ولملك الموت أشد به لطفا من الوالدة بولدها ، يعرف أن تلك الروح حبيب لربه ، فهو يتلمس بلطفه تحببا لديه ، رضاء للرب عنه ، فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين.
__________________
(١) الضبيرة : هي الباقة والحزمة.
(٢) المسك الأذفر : أحسن أنواع المسك ، وهو الجيد إلى الغاية.
(٣) ابتهش بالشيء : أعجبه واشتهى ، وأسرع نحوه.