وقال مجاهد : بنين وحفدة ابنه وخادمه وقال في رواية : الحفدة الأنصار والأعوان والخدام ، وقال طاوس وغير واحد : الحفدة الخدم. وكذا قال قتادة وأبو مالك والحسن البصري. وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أنه قال : الحفدة من خدمك من ولدك وولد ولدك (١) ، قال الضحاك : إنما كانت العرب تخدمها بنوها. وقال العوفي عن ابن عباس قوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) يقول : بنو امرأة الرجل ليسوا منه ، ويقال : الحفدة الرجل يعمل بين يدي الرجل. يقال : فلان يحفد لنا أي يعمل لنا ، قال : وزعم رجال أن الحفدة أختان الرجل ، وهذا الأخير الذي ذكره ابن عباس ، قاله ابن مسعود ومسروق وأبو الضحى وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والقرظي ، ورواه عكرمة عن ابن عباس ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هم الأصهار.
قال ابن جرير : وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى الحفدة ، وهو الخدمة الذي منه قوله في القنوت : وإليك نسعى ونحفد ، ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والخدم والأصهار ، فالنعمة حاصلة بهذا كله ، ولهذا قال : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً).
قلت : فمن جعل (وَحَفَدَةً) متعلقا بأزواجكم ، فلا بد أن يكون المراد الأولاد وأولاد الأولاد والأصهار ، لأنهم أزواج البنات أو أولاد الزوجة ، وكذا قال الشعبي والضحاك ، فإنهم يكونون غالبا تحت كنف الرجل وفي حجرة وفي خدمته ، وقد يكون هذا هو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام في حديث نضرة بن أكثم «والولد عبد لك» (٢) رواه أبو داود. وأما من جعل الحفدة الخدم ، فعنده أنه معطوف على قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي جعل لكم الأزواج والأولاد خدما.
وقوله : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من المطاعم والمشارب. ثم قال تعالى منكرا على من أشرك في عبادة المنعم غيره : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهم الأنداد والأصنام (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) أي يسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره. وفي الحديث الصحيح «إن الله يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه : ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع؟» (٣).
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ(٧٣) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ
__________________
ـ وكتاب العين ٣ / ١٨٥ ، ونسبة الطبري في تفسيره ٧ / ٦١٩ لحميد ، والبيت ليس في ديوانه حميد بن ثور.
(١) انظر تفسير الطبري ٧ / ٦١٩.
(٢) أخرجه أبو داود في النكاح باب ٣٧.
(٣) أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٦ ، والترمذي في القيامة باب ٦ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤٩٢ ، ٤ / ٣٧٨ ، ٣٧٩.