الحديث «إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها».
وقال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة : حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الحنبلي ، حدثنا يحيى بن محمد مولى بني هاشم ، حدثنا الحسن بن داود المنكدري ، حدثنا عمر بن علي المقدمي عن علي بن عبد الله بن عمير ، عن أبيه ، قال : بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبيصلىاللهعليهوسلم فأراد أن يأتيه ، فأبى قومه أن يدعوه وقالوا : أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه ، قال : فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه ، فانتدب رجلان فأتيا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي ، وهو يسألك من أنت ، وما أنت؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أما من أنا فأنا محمد بن عبد الله ، وأما ما أنا؟ فأنا عبد الله ورسوله» قال : ثم تلا عليهم هذه الآية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية ، قالوا : اردد علينا هذا القول ، فردده عليهم حتى حفظوه ، فأتيا أكثم فقالا أبى أن يرفع نسبه ، فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب وسطا في مضر ـ أي شريفا ـ وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها ، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن ملائمها ، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا أذنابا.
وقد ورد في نزولها حديث حسن رواه الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شهر ، حدثني عبد الله بن عباس قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم بفناء بيته جالس إذ مر به عثمان بن مظعون ، فكشر إلى رسول الله فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا تجلس؟» فقال: بلى ، قال : فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستقبله ، فبينما هو يحدثه إذ شخص رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببصره إلى السماء ، فنظر ساعة إلى السماء ، فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض ، فتحرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ، فأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له ، وابن مظعون ينظر.
فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له ، شخص بصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى السماء كما شخص أول مرة ، فأتبعه بصره حتى توارى إلى السماء ، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى ، فقال : يا محمد فيما كنت أجالسك ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة ، فقال : «وما رأيتني فعلت؟» قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء ، ثم وضعته حيث وضعته على يمينك ، فتحرفت إليه وتركتني ، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئا يقال لك ، قال : «وفطنت لذلك؟» فقال عثمان : نعم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس» قال : رسول الله؟ قال «نعم» ، قال : فما قال لك؟ قال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية ، قال عثمان : فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا صلىاللهعليهوسلم ، إسناد جيد متصل حسن قد بين فيه السماع المتصل ، ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصرا.
__________________
(١) المسند ١ / ٣١٨.