وأما ما ورد في الصحيحين عن عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه أنه قال : حالف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين المهاجرين والأنصار في دورنا (١) ، فمعناه أنه آخى بينهم فكانوا يتوارثون به حتى نسخ الله ذلك ، والله أعلم.
وقال ابن جرير (٢) : حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، حدثنا عبد الله بن موسى ، أخبرنا أبو ليلى عن بريدة في قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) قال : نزلت في بيعة النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان من أسلم بايع النبي صلىاللهعليهوسلم على الإسلام ، فقال : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) هذه البيعة التي بايعتم على الإسلام (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) البيعة لا يحملنكم قلة محمد وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام.
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا إسماعيل ، حدثنا صخر بن جويرية عن نافع قال : لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد ، ثم قال : أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ، وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان ، وإن من أعظم الغدر ـ إلا أن يكون الإشراك بالله ـ أن يبايع رجل رجلا على بيعة الله ورسوله ، ثم ينكث بيعته ، فلا يخلعن أحد منكم يدا ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر ، فيكون صيلم بيني وبينه» المرفوع منه في الصحيحين.
وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا يزيد حدثنا حجاج عن عبد الرحمن بن عباس عن أبيه ، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من شرط لأخيه شرطا لا يريد أن يفي له به ، فهو كالمدلي جاره إلى غير منفعة».
وقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها. وقوله (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) قال عبد الله بن كثير والسدي : هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه. وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده ، وهذا القول أرجح وأظهر سواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا.
وقوله : (أَنْكاثاً) يحتمل أن يكون اسم مصدر ، (نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) أي أنقاضا ، ويحتمل أن يكون بدلا عن خبر كان أي لا تكونوا أنكاثا جمع نكث من ناكث (٥) ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في الاعتصام باب ١٦ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٠٤.
(٢) تفسير الطبري ٧ / ٦٣٦.
(٣) المسند ٢ / ٤٨.
(٤) المسند ٥ / ٤٠٤.
(٥) النّكث ، بالكسر : أن تنقض أخلاق الأكسية تغزل ثابتة ، ونكث العهد : نقضه فانتكث ، وتناكثوا عهودهم : تناقضوها.