ليمنعه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فالتقوا ببدر ، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ، ولا هؤلاء بهؤلاء ، حتى التقى السقاة ، ونهد الناس بعضهم لبعض.
وقال محمد بن إسحاق في السيرة (١) : ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على وجهه ذلك ، حتى إذا كان قريبا من الصفراء ، بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين ، يلتمسان الخبر عن أبي سفيان ، فانطلقا حتى إذا وردا بدرا ، فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء ، فاستقيا في شن لهما من الماء ، فسمعا جاريتين تختصمان ، تقول إحداهما لصاحبتها اقضيني حقي ، وتقول الأخرى إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأقضيك حقك ، فخلص بينهما مجدي بن عمرو ، وقال صدقت ، فسمع بذلك بسبس وعدي ، فجلسا على بعيريهما حتى أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبراه الخبر ، وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد حذر ، فتقدم أمام عيره ، وقال لمجدي بن عمرو هل أحسست على هذا الماء من أحد تنكره؟ فقال : لا والله ، إلا أني قد رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل فاستقيا من شن لهما ثم انطلقا ، فجاء أبو سفيان إلى مناخ بعيريهما ، فأخذ من أبعارهما ففته فإذا فيه النوى ، فقال هذه والله علائف يثرب ، ثم رجع سريعا فضرب وجه عيره فانطلق بها فساحل ، حتى إذا رأى أنه قد أحرز عيره إلى قريش فقال : إن الله قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نأتي بدرا ـ وكانت بدر سوقا من أسواق العرب ـ فنقيم بها ثلاثا فنطعم بها الطعام ، وننحر بها الجزر ، ونسقى بها الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا ، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدا. فقال الأخنس بن شريق : يا معشر بني زهرة ، إن الله قد أنجى أموالكم ونجى صاحبكم فارجعوا فرجعت بنو زهرة ، فلم يشهدوها ، ولا بنو عدي.
قال محمد بن إسحاق (٢) : وحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : وبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين دنا من بدر ، علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام في نفر من أصحابه يتجسسون له الخبر ، فأصابوا سقاة لقريش غلاما لبني سعيد بن العاص ، وغلاما لبني الحجاج ، فأتوا بهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوجدوه يصلي فجعل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسألونهما لمن أنتما؟ فيقولان : نحن سقاة لقريش ، بعثونا نسقيهم من الماء ، فكره القوم خبرهما ، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما ، فلما أزلقوهما قالا : نحن لأبي سفيان فتركوهما ، وركع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسجد سجدتين ثم سلم ، وقال «إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا والله إنهما لقريش ، أخبراني عن قريش» قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، والكثيب : العقنقل.
فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم «كم القوم؟» قالا : كثير. قال : «ما عدتهم؟» قالا ما ندري. قال
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٦١٧ ـ ٦١٩.
(٢) سيرة ابن هشام ١ / ٦١٦ ، ٦١٧.