قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي في قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) قالوا : هم المشركون الذين قاتلوا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يوم بدر. وقال محمد بن كعب : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ، خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (١).
وقوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) الآية ، حسن لهم ـ لعنه الله ـ ما جاءوا له وما هموا به ، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر ، فقال : إني جار لكم ، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، سيد بني مدلج كبير تلك الناحية ، وكل ذلك منه كما قال تعالى عنه : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء : ١٢٠] قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الآية : لما كان يوم بدر ، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم ، وإني جار لكم ، فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة ، (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) قال : رجع مدبرا ، وقال : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) الآية (٢).
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج ، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس ، أخذ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليهالسلام إلى إبليس ، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين ، انتزع يده ثم ولى مدبرا وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، وذلك حين رأى الملائكة (٣).
وقال محمد بن إسحاق : حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، أن إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فلما حضر القتال ورأى الملائكة ، نكص على عقبيه وقال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) ، فتشبث به الحارث بن هشام ، فنخر في وجهه فخر صعقا ، فقيل له : ويلك يا سراقة على هذه الحال ، تخذلنا وتبرأ منا ، فقال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٦ / ٢٦٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦ / ٢٦٥.
(٣) انظر تفسير الطبري ٦ / ٢٦٤.