مذكور أولى من مقدر ، ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة.
وقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أي من الأرض وهذا عام ، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم ، بقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] وقوله : (وَخُذُوهُمْ) أي وأسروهم إن شئتم قتلا وإن شئتم أسرا ، وقوله : (وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم ، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ، ولهذا قال : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها ، حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته ، ونبه بأعلاها على أدناها فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عزوجل ، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ، ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة. وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» (١) الحديث.
وقال أبو إسحاق : عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال : يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه!
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم» (٣) ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إلا ابن ماجة ، من حديث عبد الله بن
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٢.
(٢) المسند ٣ / ١٩٩ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥.
(٣) أخرجه البخاري في الصلاة باب ٢٨ ، وأبو داود في الزكاة باب ١ ، والجهاد باب ٩٥ ، والترمذي في الإيمان باب ١ ، ٢ ، وتفسير سورة ٨٨ ، والنسائي في الزكاة باب ٣ ، والإيمان باب ١٥ ، والجهاد باب ١ ، والتحريم باب ١ ، وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، والفتن باب ١.