أي بالله ربا وإلها وبالإسلام شرعة ودينا وبمحمد نبيّا ورسولا ناداهم بعنوان الإيمان ليقول لهم ناهيا (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ) (١) (يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فكرا أي لا تقولوا ولا تعملوا إلا تبعا لما قال الله ورسوله ، وشرع الله ورسوله (وَاتَّقُوا اللهَ) في ذلك فإن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زلّة كبرى وعاقبتها سوأى. ولذا قال (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) أي لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأعمالكم وأحوالكم. ومن هنا فواجب المسلم أن لا يقول ولا (٢) يعمل ولا يقضي ولا يفتي برأيه إلا إذا علم قول الله ورسوله وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما ، فإذا لم يجد من ذلك شيئا اجتهد (٣) فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله تعالى فإذا لاح له بعد ذلك نص من كتاب أو سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١) أما الآية الثانية (٢) وهي قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٤) فإنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأولا نهاهم رضي الله عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلال النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول الله أخفض من صوت الرسول صلىاللهعليهوسلم ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كلّم رسول الله يساره الكلام مسارة وثانيا نهاهم إذا هم ناجوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم توقيره وتعظيمه. وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذا هم لم يوقروا رسول الله ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم كما تحبط بالشرك والكفروهم لا يشعرون. إذ رفع الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا محمد يا محمد أو يا نبيّ الله ويا رسول الله وبأعلى الأصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم مبالاة صار كفرا محبطا للعمل قطعا. وفي الآية الثاثة (٣) يثني الله تعالى على أقوام (يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) أي يخفضونها (عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) أي في حضرته وبين يديه كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما هؤلاء يخبر تعالى أنه (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أي وسعها وشرحها
__________________
(١) هذه السورة نزلت في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب زيادة على ما تضمنت من الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية.
(٢) ومن هنا قال العلماء : لا يحل لامرىء مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
(٣) شاهده حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين بعثه إلى اليمن (بم تحكم؟ قال بكتاب الله تعالى قال صلىاللهعليهوسلم فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال صلىاللهعليهوسلم فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه : أجتهد رأيي ، فضرب في صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلىاللهعليهوسلم).
(٤) روى البخاري (أن النبي صلىاللهعليهوسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له : ما شأنك؟ فقال شر ، كان : يرفع صوته فوق صوت النبي صلىاللهعليهوسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا ، فقال : إذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة.