الشرع معتد على الناس ظالم لهم بأكل حقوقهم وأذيتهم في أعراضهم وأموالهم وأبدانهم الخامسة مريب أي شاك لا يعرف التصديق بشيء من أمور الدين فهو جامع لكل أنواع الكفر وقوله (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً) وهذا وصف سادس وهو أسوأ تلك الصفات وهو اتخاذه إلها آخر يعبده دون الله تعالى وقوله تعالى (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) هذا أمر آخر أكد به الأمر الأول وهو ألقيا في جهنم كل كفار عنيد. وقوله تعالى (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) قال هذا القول القرين لما قال المشرك معتذرا ربّ إن قريني من الشياطين أطغاني فرد عليه القرين بما أخبر تعالى به عنه في قوله قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد فقال الرب تعالى (لا تَخْتَصِمُوا (١) لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) فرد الله حجة كل من الكافر والقرين من الشياطين وأعلمهما أنه قد قدم إليهما بالوعيد في كتبه وعلى ألسن رسله من كفر بالله وأشرك به وعصى رسله فإن له نار جهنم خالدا فيها أبدا. وقوله تعالى (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أخبر (٢) تعالى أن حكمه نافذ فيمن كفر به وعصى رسله إذ سبق قوله لإبليس عند ما أخرج آدم من الجنة بوسواسه وهو لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين. فهذا القول الإلهي لا يبدل ولا يقدر أحد على تبديله وتغييره وقوله (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) نفى تعالى الظلم عن نفسه والظلم هو أن يعذب مطيعا ، أو يدخل الجنة كافرا عاصيا. وقوله تعالى (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أي اذكر يا نبينا لقومك المنهمكين في الشرك والمعاصي ما ينتظر أمثالهم من عذاب جهنم اذكر لهم يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد بعدما يدخل فيها كل كافر وكافرة من الإنس والجن وتقول طالبة الزيادة هل من مزيد؟ ولما لم يبق أحد يستحق عذاب النار يضع الجبار فيها قدمه فينزوي بعضها في بعض وتقول قط قط والحديث معناه في الصحيحين وغيرهما.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢ ـ التحذير من الصفات الست التي جاءت في الآية وهي الكفر والعناد ومنع الخير والاعتداء
__________________
(١) النهي عن المخاصمة دال على أن النفوس الكافرة ادعت أن قرناءها أطغوها ، وأن القرناء تنصلوا من ذلك ، وأن النفوس أعادت القول فكانت بذلك خصومة فأسكتهم الحق عزوجل بقوله : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ).
(٢) المبالغة في وصف (بِظَلَّامٍ) راجعة إلى تأكيد النفي المطلق إذ المراد لا أظلم شيئا من الظلم ، وليس المعنى ما أنا بكثير الظلم أو شديده إذ الأمر في أمثلة المبالغة أن يقصد بها المبالغة في النفي. قال طرفة :
ولست بحلال التلاع مخافة |
|
ولكن متى يسترفد القوم أرفد |
إذ لم يرد نفي كثرة حلوله التلاع وإنما أراد كثرة النفي إذ هو لم يحل في تلعة بالمرة جبنا وخوفا.