(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) : أي يصرف عن النبي والقرآن من صرف.
(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) : أي لعن الكذابون الذين يقولون بالخرص والكذب.
(الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) : أي في غمرة جهل تغمرهم ساهون أي غافلون عن أمر الآخرة.
(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) : أي يسألون النبي صلىاللهعليهوسلم سؤال استهزاء متى يوم القيامة؟ وجوابهم يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون فيها.
معنى الآيات :
قوله تعالى (وَالذَّارِياتِ) (١) هذا شروع في قسم ضخم أقسم الله تعالى به وهو (الذَّارِياتِ ذَرْواً) أي الرياح تذروا التراب وغيره من الأشياء الخفيفة (فَالْحامِلاتِ (٢) وِقْراً) أي السحب تحمل الماء (فَالْجارِياتِ (٣) يُسْراً) أي السفن تجري على سطح الماء (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) أي الملائكة تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بأمر ربها كل هذا قسم أقسم الله به وجوابه (إِنَّما تُوعَدُونَ) أيها الناس من البعث والجزاء بالنعيم المقيم أو بعذاب الجحيم لصادق (وَإِنَّ الدِّينَ) أي الجزاء العادل (لَواقِعٌ) أي كائن لا محالة. وقوله (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٤) هذا قسم آخر أي ذات الطرق كالتي على الرمل جمع حبيكة بمعنى طريقة (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) هذا جواب القسم فمنكم من يقول محمد ساحر ومنكم من يقول كاذب أو كاهن. ومنكم من يقول في القرآن سحر وشعر كهانة وقوله تعالى (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) أي يصرف عن القرآن ومن نزل عليه من أفك أي صرف بقضاء الله وقدره. وقوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أي لعن الكذابون الذين يقولون بالخرص والكذب والظن (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) جهل تغمرهم (ساهُونَ) أي غافلون عن أمر الآخرة وما لهم فيه من عذاب لو شاهدوه ما ذاقوا طعاما ولا شرابا لذيذا.
__________________
(١) هنا ذكر القرطبي موعظة عجبا وهي أن رجلا يقال له : صبيغ بلغ عمر عنه أنه يسأل عن تفسير مشكل القرآن فقال : اللهم أمكني منه فدخل الرجل على عمر يوما وهو لابس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن فلما فرغ قام إليه الرجل وقال : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ثم قال : ألبسوه ثيابه واجعلوه على قتب وأبلغوا به أهله ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأ فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم. وأخرى وهو أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ما (الذَّارِياتِ) قال : ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا.
(٢) (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) السحب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر : أي الحمل الثقيل.
(٣) جائز أن يراد ب (فَالْجارِياتِ) السفن ، وأن يراد بها الرياح تجري بالسحب بعد تراكمها ، واليسر : اللين والهون ، أي الجاريات جريانا لينا هينا شأن السير بالشيء الثقيل كما قال الأعشى.
كأن مشيتها من بيت جارتها |
|
مشي السحابة لا ريث ولا عجل |
(٤) (الْحُبُكِ) بفتح فسكون : إجادة النسج وإتقان الصنع ، وجائز أن يكون المراد بالحبك حبك السماء أي : نجومها لأنها تشبه الطرائق الموشاة في الثوب. وعن الحسن أنها طرائق المجرة أو طرائق السحاب ، والكل جائز.