(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) : أي قالوا مشيرين الى علة سعادتهم إنا كنا قبل أي في الدنيا.
(فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) : أي بين أهلنا وأولادنا مشفقين أي خائفين من عذاب الله تعالى.
(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) : أي بالمغفرة.
(وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) : أي وحفظنا من عذاب النار التي يدخل حرها في مسام الجسم.
إنا كنا ندعوه : أي في الدنيا نعبده موحدين له.
(إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) : أي المحسن الصادق في وعده الرحيم العظيم الرحمة.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في ذكر افضال الله تعالى وإنعامه على أوليائه في الجنة إذ قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي حق الإيمان الذي هو عقد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان (وَاتَّبَعَتْهُمْ (١) ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) كامل صحيح إلا أنهم لم يبلغوا من الأعمال الصالحة ما بلغه آباؤهم (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) لتقر بذلك أعينهم وتعظم مسرتهم وتكمل سعادتهم باجتماعهم مع ذريتهم. وقوله تعالى : (وَما أَلَتْناهُمْ (٢) مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي وما نقصنا الآباء من عملهم الصالح من شيء بل وفيناهموه كاملا غير منقوص ورفعنا إليهم ابناءهم بفضل منا ورحمة. وقوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ (٣) رَهِينٌ) إخبار منه تعالى أن كل نفس عنده يوم القيامة مرتهنة بعملها تجزى به إلا أنه تعالى تفضل على أولئك الآباء فرفع الى درجاتهم أبناءهم تفضلا واحسانا. وقوله عزوجل : (وَأَمْدَدْناهُمْ) أي الآباء والأبناء من سكان الجنة (بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من اللحمان. هذا طعامهم أما الشراب فإنهم (٤) (يَتَنازَعُونَ) أي يتعاطون في الجنة كأسا من خمر (لا لَغْوٌ فِيها). أي لا تسبب هذيانا من الكلام إذ اللغو الكلام الذي لا فائدة منه. وقوله : (وَلا تَأْثِيمٌ) (٥) أي وليس في شربها إثم وقوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ) أي خدم (لَهُمْ كَأَنَّهُمْ) في جمالهم وحسن منظرهم (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) في أصدافه.
__________________
(١) قرأ الجمهور (وَاتَّبَعَتْهُمْ) وقرأ أبو عمرو وحده (وأتبعناهم) وقرأ الجمهور (ذُرِّيَّتُهُمْ) بالإفراد ، وقرأ ابن عامر بالجمع :
(ذرياتهم) مفعول لأتبعناهم ، وقرأ نافع (ذرياتهم) الأخيرة بالجمع وقرأها حفص بالإفراد (ذُرِّيَّتُهُمْ) كالأولى.
(٢) (وَما أَلَتْناهُمْ) قرأ الجمهور بفتح اللام ، وقرأه ابن كثير بكسر اللام ، والواو للحال ، فالجملة حالية ، والمعنى : أنّ الله تعالى ألحق بهم ذرياتهم في الدرجة من دون أن ينقص من حسناتهم شيئا.
(٣) الجملة معترضة بين جملة : (وَما أَلَتْناهُمْ) وجملة (وَأَمْدَدْناهُمْ) والجملة تقرير لعدالة الرّب تعالى في الحكم بين عباده فيجزي كل نفس بما كسبت ، وله أن يتفضل ويرفع من يشاء درجات.
(٤) أطلق التنازع على التداول والتعاطي والمعنى : أن بعضهم يصب للبعض ويناوله إيثارا له وكرامة.
(٥) اللغو : سقط الكلام وهذيانه الصادر عن خلل في العقل. والتأثيم : ما يؤثم به فاعله من ضرب أو شتم أو تمزيق ثوب.