والفواحش من زنا ولواط وبخل وقوله (إِلَّا اللَّمَمَ (١) إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) أي لكن اللمم يتجاوز عنه وهو ما ألم به المرء وتاب منه أو فعله في الجاهلية ثم أسلم ، وما كان من صغائر الذنوب كالنظرة والكلمة والتمرة. وقد فسر بقول الرسول صلىاللهعليهوسلم إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. فمغفرة الله واسعة تشمل كل ذنب تاب منه فاعله كما تشمل كل ذنب من الصغائر.
وقوله تعالى (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أعلم بضعفنا وغرائزنا وحاجاتنا وعجزنا منّا نحن بأنفسنا ولذا تجاوز لنا عن اللمم الذى نلمّ به بحكم العجز والضعف ، فله الحمد والمنة. وقوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) ينهى الرب تعالى عباده المؤمنين عن تزكية المرء نفسه بإدعاء الكمال والطهر الأمر الذي يكون فخرا وإعجابا والإعجاب بالنفس محبط للعمل كالرياء والشرك فقوله (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تشهدوا عليها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصى وقوله (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) أي ان الله أعلم بمن اتقى منكم ربه فخاف عقابه فأدى الفرائض واجتنب المحرمات منا ومن المتقى نفسه فلذا لا تمدحوا أنفسكم له فإنه أعلم بكم من أنفسكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير ربوبية الله تعالى لكل شيء وهي مستلزمة لإلوهيته.
٢ ـ تقرير حرية إرادة الله يهدى من يشاء ويضل ويعذب من شاء ويرحم إلا أن ذلك تابع لحكم عالية.
٣ ـ تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل.
٤ ـ تقرير قاعدة أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر.
٥ ـ حرمة تزكية النفس وهى مدحها والشهادة عليها بالخير والفضل والكمال والتفوق.
__________________
(١) عن ابن عباس : هو الرجل يلمّ بالذنب ثم ينزع عنه ، واستشهد قائلا :
إن تغفر اللهم تغفر جما |
|
وأي عبد لك ما ألما |
(٢) في الآية دليل على كراهة تزكية العبد نفسه أو تزكية غيره ففي الحديث الصحيح : (أنه لم يرض لهم تسمية برّة وقرأ : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) الآية : وقال سمّوها زينب) وفي الصحيح (أنه سمع رجلا يمدح آخر فقال له : ويلك قطعت عنق صاحبك ـ مرارا ـ إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك) روى مسلم (أن رجلا أتى عثمان فأثنى عليه في وجهه ، فجعل المقداد بن الأسود يحثو التراب في وجهه ويقول : أمرنا رسول الله أن نحثو التراب في وجوه المداحين).