قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) والخوف الشديد من الرسول وأصحابه حتى أصبحوا (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ). المؤمنون يخربونها من الظاهر لفتح البلاد وهم يخربونها من الباطن وذلك أن الصلح الذي تم بينهم وبين الرسول والمؤمنين أنهم يحملون أموالهم إلا الحلقة أي السلاح ويجلون عن البلاد إلى الشام وهو أول حشر لهم فكانوا إذا أعجبهم الباب أو الخشبة نزعوها من محلها فيخرب البيت لذلك. وقوله تعالى (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) أي البصائر والنهي أي اتعظوا بحال بنى النضير الأقوياء كيف قذف الله الرعب في قلوبهم وأجلوا عن ديارهم فاعتبروا يا أولى البصائر فلا تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه.
وقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ (١) الْجَلاءَ) أزلا في اللوح المحفوظ (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالسبي والقتل كما عذب بنى قريظة بعدهم. (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) ، ثم علل تعالى لهذا العذاب الذي أنزله وينزله بهم بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي خالفوهما وعادوهما ، ومن يشاق الله يعاقبه بأشد العقوبات فإن الله شديد العقاب.
وقوله تعالى (ما قَطَعْتُمْ (٢) مِنْ لِينَةٍ) أي من نخلة لينة (أَوْ تَرَكْتُمُوها) بلا قطع (قائِمَةً عَلى أُصُولِها) فقد كان ذلك بإذن الله فلا إثم عليكم فيه فقد أسرّ به المؤمنين وأخزى به الفاسقين اليهود.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان جلال الله وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية وفي إجلاء بنى النضير من ديارهم وهو أول حشر وإجلاءتم لهم وسيعقبه حشر ثان وثالث. (٣)
٢ ـ بيان أكبر عبرة في خروج بنى النضير ، وذلك لما كان لهم من قوة ولما عليه المؤمنون من ضعف ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة وتركوا البلاد والاموال ورحلوا إلى غير رجعة. فعلى مثل هذا يتعظ المتعظون فإنه لا قوة تنفع مع قوة الله ، فلا يغتر العقلاء بقواهم المادية بل عليهم أن يعتمدوا على الله أولا وآخرا.
٣ ـ علة هزيمة بنى النضير ليست إلا محادتهم لله والرسول ومخالفتهم لهما وهذه سنته تعالى في
__________________
(١) الفرق بين الجلاء والإخراج أن الجلاء يكون بالأهل والأولاد وأمّا الإخراج قد يكون بدون ذلك وكلاهما مفارقة المرء وطنه ويقال : جلا المرء بنفسه وأجلاه غيره.
(٢) كان هذا من باب إلجاء العدو إلى ترك المقاومة والاستسلام. واللينة : بمعنى : النخلة ، واختير لفظ اللينة دون النخلة : لخفته وهو اللون دون العجوة والبرني.
(٣) الحشر : أي الجمع الأول هو إجلاؤهم من المدينة ، والثاني : هو إجلاؤهم عن الديار الحجازية على يد عمر رضي الله عنه لوصية الرسول صلىاللهعليهوسلم بذلك في قوله (لا يجتمع دينان في الجزيرة) والثالث : هو إجلاؤهم من فلسطين بعد تجمعهم فيها وإقام دولتهم. جاء بهذا حديث مسلم : (لتقاتلن اليهود ...) الحديث فسوف يتم إجلاؤهم حتى لا يجتمعوا مرة أخرى إلى قيام الساعة.