معنى الآيات :
قوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١) هذه الآية (١٥) واللتان بعدها (١٦) و (١٧) في بقية الحديث عن بني النضير إذ قال تعالى مثل بني النضير في هزيمتهم بعد نقضهم العهد كمثل الذين من قبلهم في الزمان والمكان وهم بنو قينقاع إذ نقضوا عهدهم فأخرجهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم و (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي عاقبة نقضهم وكفرهم في الدنيا (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي موجع شديد وقوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) (٢) بوسائله الخاصة (فَلَمَّا كَفَرَ) الإنسان تبرأ منه الشيطان و (قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) كذلك حال بني النضير مع المنافقين حيث حرضوهم على الحرب والقتال وواعدوهم أن يكونوا معهم ثم خذلوهم وتركوهم وحدهم.
وقوله تعالى : (فَكانَ عاقِبَتَهُما) أي عاقبة أمرهما (أَنَّهُما) أي الإنسان والشيطان أنهما (فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها ، وَذلِكَ) أي خلودهما في النار (جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي المشركين والفاسقين عن طاعة الله عزوجل.
وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلىاللهعليهوسلم نبيّا ورسولا (اتَّقُوا اللهَ) بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه ، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) (٣) (لِغَدٍ) أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم لغد أي يوم القيامة. (وَاتَّقُوا اللهَ) ، أعاد الأمر بالتقوى لأن التقوى هى ملاك الأمر ومفتاح دار السّلام والسعادة ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) يشجعهم على مراقبة الله تعالى والصبر عليها. وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أي لا تكونوا كأناس تركوا العمل بطاعة الله وطاعة رسوله فعاقبهم ربهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيرا وأصبحوا بذلك فاسقين عن أمر الله تعالى خارجين عن طاعته. وقوله تعالى (لا يَسْتَوِي (٤) أَصْحابُ النَّارِ
__________________
(١) هذا ضرب مثل للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الوفاء في نصرتهم ، وحذف حرف العطف لأن الكلام معطوف على سابقه وهو (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الخ لأن حذف حرف العطف شائع تقول : أنت عاقل أنت كريم أنت كذا بلا حرف عطف.
(٢) هنا روى غير واحد من السلف حديثا يتضمن قصة تشرح هذه الآية الكريمة كمثل الشيطان إذ قال للإنسان .. الخ وهي أن راهبا تركت عنده أمرأه أصابها لمم ليدعو لها فزّين له الشيطان فوطئها فحملت ثم قتلها خوفا أن يفتضح فدل الشيطان قومها على موضعها فجاءوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه فجاءه الشييطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم فسجد له فتبرأ منه فأسلمه لقاتليه وتركه ، واسم هذا الراهب ، برصيصا.
(٣) أطلق لفظ الغد وأريد به يوم القيامة جريا على عادة العرب فإنهم يطلقون لفظ الغد كناية عن المستقبل ، وقيل إطلاق لفظ الغد هنا إشارة إلى قرب الساعة كما قال الشاعر :
فإن يك صدر هذا اليوم ولى |
|
فإن غدا لناظره قريب |
(٤) هذه الجملة : (لا يَسْتَوِي.). الخ تذييل لما سبقها وهي كالفذلكة لما تقدم من الأمر بتقوى الله عزوجل وبيان حال المتقين الذاكرين والناسين الفاسقين.