معنى الآيات :
قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ ..) (١) لما أمر تعالى في الآيات السابقة ونهى ووعظ وذكر بما لا مزيد عليه أخبر أنه لو أنزل هذا القرآن العظيم (عَلى جَبَلٍ) بعد أن خلق فيه إدراكا وتمييزا كما خلق ذلك في الإنسان لرؤى ذلك الجبل (خاشِعاً) ذليلا (مُتَصَدِّعاً) متشققا (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي من الخوف من الله لعله قصّر في حق الله وحق كتابه ما أداهما على الوجه المطلوب ، وفي هذا موعظة للمؤمنين ليتدبروا القرآن ويخشعوا عند تلاوته وسماعه. ثم أخبر تعالى أنّ ما ضرب من أمثال في القرآن ومنها هذا المثل المضروب بالجبل. يقول نجعلها للناس رجاء أن يتفكروا فيؤمنوا ويهتدوا إلى طريق كمالهم وسعادتهم ثم أخبر تعالى عن جلاله وكماله بذكر أسمائه وصفاته فقال (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود بحق إلا هو ، (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي السر والعلن والموجود والمعدوم والظاهر والباطن. (هُوَ الرَّحْمنُ) الذي وسعت رحمته كل شيء (الرَّحِيمُ) بعباده المؤمنين ، الملك الذي له ملك السموات والأرض والمدبر للأمر في الأرض والسماء ، (الْقُدُّوسُ) (٢) الطاهر المنزه عن كل نقص وعيب عن الشريك والصاحبة والولد. (السَّلامُ) ذو السلامة (٣) من كل نقص مفيض السّلام على من شاء من عباده. (الْمُؤْمِنُ) المصدق رسله بما آتاهم من المعجزات المصدق عباده المؤمنين فيما يشكون إليه مما أصابهم ، ويطلبونه ما هم في حاجة إليه من رغائبهم وحاجاتهم ، (الْمُهَيْمِنُ) على خلقه الرقيب عليهم المتحكم فيهم لا يخرج شيء من أعمالهم وتصرفاتهم عن إرادته وإذنه ، (الْعَزِيزُ) الغالب على أمره الذي لا يمانع فيما يريده. (الْجَبَّارُ) للكل (٤) على مراده وما يريده ، (الْمُتَكَبِّرُ) على كل خلقه وله الكبرياء في السموات والأرض والجلال والكمال والعظمة.
وقوله تعالى (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) نزه تعالى نفسه عما يشرك به المشركون من عبدة الأصنام والأوثان وغيرها من كل ما عبد من دونه سبحانه وتعالى (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) :
__________________
(١) (لَوْ) هذه حرف امتناع لامتناع أي : امتنع إنزال القرآن على جبل فامتنعت رؤيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، ولو حصل الأول لحصل الثاني.
(٢) لفظ القدوس : مشتق من القدس بلغة الحجاز وهو : السطل لأنه يتطهر به ، ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء للتطهر وغيره قال ثعلب اللغوي : كل اسم على وزن فعول فهو مفتوح الأول نحو سعود ، وكلوب ، وتنور إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيها أكثر من الفتح.
(٣) لاسم السّلام ثلاث معان صادقة : منها ذو السلامة كما في التفسير ومنها ذو السّلام : أي المسلم على عباده في الجنة :
ومنها الذي سلم من كل عيب وبرىء من كل نقص.
(٤) (الْجَبَّارُ) : قال ابن عباس : هو العظيم وجبروت الله : عظمته وهو على هذا القول صفة ذات من قولهم : نخلة جبارة. قال الشاعر :
سوامق جبّار أثيث فروعه |
|
وعالين قنوانا من البسر أحمرا |
السوامق : مرتفعات ، وأثيث : الملتف : والقنوان : العذق.