معنى الآيات :
فاتحة هذه السورة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي (١) وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ..). الآيات. نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدرا روى مسلم في صحيحه عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ «موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلا» فإن بها ظعينة «امرأة مسافرة» (٢) معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة فقلنا أخرجي الكتاب ، فقالت ما معي كتاب. فقلنا لتخرجن الكتاب ، أو لتلقنّ الثياب (٣) «أي من عليك» فأخرجته من عقاصها أي من ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا حاطب ما هذا؟ فقال لا تعجل عليّ يا رسول الله إنى كنت امرءا ملصقا في قريش «أي كان حليفا لقريش ولم يكن قرشيا» وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وإن كتابي لا يغنى عنهم من الله شيئا ، وأن الله ناصرك عليهم. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم صدق. فقال عمر رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من صدقتم الله ورسوله (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) من الكفار والمشركين (أَوْلِياءَ) أي أنصارا (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ (٤) بِالْمَوَدَّةِ) أي أسرار النبي صلىاللهعليهوسلم الحربية ذات الخطر والشأن. والحال أنهم (قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) الذي هو دين الإسلام بعقائده وشرائعه وكتابه ورسوله. (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من (٥) دياركم بالمضايقة لكم حتى هاجرتم فارين بدينكم ، (أَنْ تُؤْمِنُوا (٦) بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي من أجل أن آمنتم بربكم ، أمثل هؤلاء الكفرة الظلمة تتخذونهم أولياء تدلون إليهم بالمودة .. إنه لخطأ جسيم
__________________
(١) العدو : ذو العداوة وهو فعول بمعنى فاعل من عدا يعدو وأصله مصدر على وزن فعول مثل قبول ، ولما كان على وزن المصادر عومل معاملة المصدر فاستوى في الوصف به المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث.
(٢) تسمى سارة مولاة لأبي عمرو بن صيغر بن هاشم بن عبد مناف وهي يومئذ مشركة.
(٣) في رواية ، أو لتلقين الثياب أي : لنجردنك من ثيابك.
(٤) جائز أن تكون جملة : (تُلْقُونَ) في محل نصب على الحال من ضمير (لا تَتَّخِذُوا) والإلقاء حقيقته : رمي ما في اليد على الأرض ، واستعير لإلقاء الشيء بدون تدبر في موقعه أي : تصرفون إليهم مودتكم بدون تأمل في آثارها الضارة.
(٥) الجملة : حال من الضمير في كفروا وحكيت بالمضارع لاستحضار الصورة البشعة في الذهن.
(٦) أي : لأن تؤمنوا بالله ربكم علة وسبب إخراجهم إياكم من دياركم أي : هو اعتداء حملهم عليه أنكم آمنتم بالله ربكم.