(قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) : أي من ثوابها مع إيقانهم بها ، وذلك لعنادهم النبي مع علمهم بصدقه.
(كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) : أي كيأس من سبقهم من اليهود الذين كفروا بعيسى وماتوا على ذلك فهم أيضا قد يئسوا من ثواب الآخرة.
معنى الآيات :
قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) إلى قوله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذه آية بيعة النساء ، فقد بايع عليها رسول الله (١) صلىاللهعليهوسلم نساء قريش يوم الفتح وهو جالس على الصفاء وعمر دونه أسفل منه ، وهو يبايع ، وطلب إليه أن يمد يده فقال إنّي لا أصافح النساء فبايعهن (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ (٢) بِاللهِ شَيْئاً) أي من الشرك أو الشركاء (وَلا يَسْرِقْنَ ، وَلا يَزْنِينَ ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) كما كان نساء الجاهلية يئدن بناتهن (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ) أي كذب (يَفْتَرِينَهُ) أي يكذبنه (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن ، (وَلا يَعْصِينَكَ فِي) (٣) (مَعْرُوفٍ) بصورة عامة وفي النياحة بصورة خاصة إذ كان النساء في الجاهلية ينحن على الأموات ويشققن الثياب ويخدشن الوجوه قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ ، وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ، فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) فيما مضى من ذنوبهن وما قد يأتي (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من صدقتم الله ورسوله (لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود لا تتولوهم بالنصرة والمحبة و (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) أي من ثواب الله فيها بدخول الجنة وذلك لعنادهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكفرهم به مع علمهم أنه رسول الله ومن كفر به وكذبه أو عانده وحاربه لا يدخل الجنة فلذا هم آيسون من دخول الجنة. وقوله تعالى (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ (٤)
__________________
(١) في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمتحن بقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ ..). الخ الآية وكان صلىاللهعليهوسلم إذا أقررن بذلك بقولهن قال لهن صلىاللهعليهوسلم انطلقن فقد بايعتكن ولا والله ما مست يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام).
(٢) روي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لما قال : (على أن لا يشركن بالله شيئا قالت هند بنت عتبة وهي متنقبة والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط ولما قال : ولا يسرقن قالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله قوتا فقال أبو سفيان هو لك حلال فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم وعرفها لأنها كانت متنكرة لما نالت من حمزة رضي الله عنه وقال : أنت هند؟ فقالت : عفا الله عما سلف. ثم قال : ولا يزنين فقالت هند : أو تزني الحرة؟
(٣) قال قتادة : لا ينحن ولا تخلو امرأة منهن إلا بذي محرم وفي صحيح مسلم عن أم عطية : لما نزلت هذه الآية قالت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد أن أسعدهم فقال صلىاللهعليهوسلم إلا آل فلان فأذن لها أن تفي بوعدها.
(٤) (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ) صالح لأن يكون معنى الكلام كما يئس الكفار من عودة أصحاب القبور إليهم. وكما يئس أصحاب القبور من العودة إلى الحياة الأولى ، وما في التفسير اختيار ابن جرير رحمهالله تعالى.