الدنيا والآخرة. وقوله (تُؤْمِنُونَ (١) بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) هذا هو رأس المال الذي تقدمونه. إيمان بالله ورسوله حق الإيمان ، جهاد في سبيل الله بالنفس والمال وأنبه إلى أن هذه الصفقة التجارية (خَيْرٌ لَكُمْ) من عدمها (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ربحها وفائدتها. (٢) (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إنها النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي أولا ، ثم مغفرة ذنوبكم وإدخالكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، أي من تحت قصورها وأشجارها ، (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي إقامة دائمة. ثانيا ثم زاد الحق في ترغيبهم فقال (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إنه النجاة من النار ، ودخول الجنة ، فلا فوز أعظم منه قط هذا ولكم علاوة على ذلك الربح العظيم وهي ما أخبر تعالى عنها بقوله : (٣) (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) أي وفائدة أخرى تحبونها : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) أي لكم على أعدائكم ولدينكم على سائر الأديان (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) لمكة ولباقى المدن والقرى فى الجزيرة وما وراءها. وقوله تعالى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وبشر (٤) يا رسولنا الذين آمنوا بنا وبرسولنا وبوعدنا ووعيدنا بحصول ما ذكرناه كاملا ، وقد تم لهم كاملا ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هذا نداء ثان في هذا السياق الكريم ناداهم بعنوان الإيمان أيضا إذ الإيمان هو الطاقة المحركة الدافعة فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ (٥) اللهِ) أي التزموا بنصرة ربكم وإلهكم الحق في دينه ونبيه وأوليائه المؤمنين. قولوا كما قال الحواريون (٦) لما دعاهم عيسى نبيهم لنصرته قائلا من أنصارى إلى الله أي من ينصرني في حال كوني متوجها إلى الله انصر دينه وأولياءه ، فأجابوه قائلين نحن أنصار الله. فكونوا أنتم أيها المسلمون مثلهم ، وقد كانوا رضي الله عنهم كما طلب منهم.
__________________
(١) جملة : (تُؤْمِنُونَ) بيانية لأهل العرض السابق يثير سؤالا وهو : ما الذي ريد أن يدلنا عليه؟ فالجواب : الايمان والجهاد. (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ.). الخ.
(٢) (يَغْفِرْ لَكُمْ) بالجزم لأن الفعل واقع موقع جواب الطلب إذ : تؤمنون وتجاهدون لفظهما لفظ الخبر ومعناهما الإنشاء أي : آمنوا وجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم ، وجزم (وَيُدْخِلْكُمْ) أيضا على العطف على يغفر.
(٣) (وَأُخْرى) الجملة معطوفة على (يَغْفِرْ لَكُمْ). وما بعدها وجيء بالجملة اسمية للدلالة على الثبوت والتحقق ، فأخرى : مبتدأ خبره محذوف أي : وأخرى لكم أي ثابتة لكم وتحبون : صفة لأخرى.
(٤) لقد شوق الله أصحاب رسوله إلى تحقيق الإيمان بالجهاد فأيقنوا وعزموا على الجهاد فأصبح أسمى أمانيهم فأنجز الله لهم ما وعدهم فأمر رسوله أن يبشرهم بما وعدهم تعجيلا للمسرة.
(٥) الأنصار : جمع نصير وهو الناصر : القوي النصرة ، وقرأ نافع (كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) بتنوين أنصارا وقرأ حفص بدون تنوين مضاف إلى اسم الجلالة.
(٦) الحواريون : جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي معربة عن الحبشية (حواريا) وهو الصاحب الصفي وأطلق هذا الاسم على أصحاب عيسى الاثنى عشر رجلا ، وقد سمى النبي صلىاللهعليهوسلم الزبير بن العوام حواريه على التشبيه بأحد الحواريين فقال : (لكل نبي حواري وحواري الزبير).