وقوله تعالى (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (١) وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي إنما أموالكم وأولادكم أي كل أموالكم وأولادكم فتنة واختبار من الله لكم هل تحسنون التصرف فيهم فلا تعصوا الله لأجلهم لا بترك واجب ولا بفعل ممنوع ، أو تسيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة الله أو التقصير في بعضها بترك واجب أو فعل حرام والله عنده أجر عظيم فآثروا ما عند الله على ما عندكم من مال وولد ، إن ما عند الله باق ، وما عندكم فإن ، فآثروا الباقى على الفانى.
وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٢) هذا من إحسان الله تعالى الى عباده المؤمنين إنه لما علمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله ورسوله علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون فى المال والولد ، وأن بعضا سوف يعانون أتعابا ومشقة شديدة في التوفيق بين خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط وخير الأمور الوسط فلا يفرط في ولده وماله ، ولا يفرط في علة وجوده وسبب نجاته وسعادته وهي عبادة الله تعالى التي خلق لأجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة.
وقوله تعالى (وَاسْمَعُوا) (٣) ما يدعوكم الله ورسوله إليه (وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا) في طاعة الله من أموالكم (٤) (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) من عدم الإنفاق فإنه شر لكم وليس بخير.
وقوله تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أعلمهم أن عدم الإنفاق ناتج عن شح النفس ، وشح النفس لا يقى منه إلا الله ، فعليكم باللجوء إلى الله تعالى ليحفظكم من شح نفوسكم فادعوه وتوسلوا إليه بالإنفاق قليلا قليلا حتى يحصل الشفاء من مرض الشح الذي هو البخل مع الحرص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومن شفي من مرض الشح أفلح وأصبح في عداد المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة من النار. وقوله (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ (٥) وَيَغْفِرْ لَكُمْ) هذا الترغيب عظيم من الله تعالى للمؤمنين في النفقة في سبيله
__________________
(١) (فِتْنَةٌ) أي : بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى ، روي عن ابن مسعود انه كان يقول : لا تقولوا : اللهم اعصمني من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
(٢) هل هذه الآية مخصصة لآية آل عمران : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) هذا هو الظاهر إذ من غير الممكن أن يتقى الله حق تقاته أي : تقواه الحقة فلو أن العبد ذاب ذوبانا من خشية الله تعالى ما اتقى الله حق تقاته.
(٣) قال القرطبي : اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه ، والآية أصل في السمع والطاعة في بيعة الرسول صلىاللهعليهوسلم على السمع والطاعة ولأولى الأمر.
(٤) يصح في نصبه ثلاثة أوجه الأول أن يكون الخير بمعنى المال ويكون خيرا مفعولا به ، والثاني : أن يكون (خَيْراً) نعتا لمصدر محذوف أي أنفقوا إنفاقا خيرا ، والثالث أن يكون منصوبا بفعل مضمر دل عليه أنفقوا أي ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم.
(٥) المضاعفة : هي إعطاء الضعف ، والشكور : فعول بمعنى فاعل أي : مبالغة في الشكر.