معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تربية الرسول صلىاللهعليهوسلم وامته بأنواع التربية الربانية الخاصة فقال تعالى لرسوله (وَاصْبِرْ) (١) (عَلى ما يَقُولُونَ) أي كفار قريش من كلام يؤذونك به كقولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وما إلى ذلك ، وقوله (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) يرشد تعالى رسوله إلى هجران كفار قريش وعدم التعرض لهم والهجر الجميل (٢) هو الذي لا عتاب معه وقوله (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) أي اتركني والمكذبين من صناديد (٣) قريش أولي النعمة أي النعم والترف (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) أي انظرهم ولا تستعجل فإني كافيكهم ، ولم يمض إلا زمن يسير حتى هلكوا في بدر على أيدي المؤمنين. وقوله تعالى (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً وَطَعاماً) أي عندنا للمكذبين بك في الآخرة أنكالا قيودا من حديد وجحيما أي نارا مستعرة محرقة وعذابا أليما أي موجعا (وَطَعاماً) هو الزقوم والضريع (ذا غُصَّةٍ) أي يغص في حلق آكله ، (وَعَذاباً أَلِيماً) أي موجعا وذلك يحصل لأهله وينالهم (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) ، أي تتحرك وتضطرب (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً) أي من الرمل (مَهِيلاً) سائلا بعد اجتماعه. وقوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ) أي يا أهل مكة وكل من ورائها من سائر الناس والجن (رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ) بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الآخرة وقوله (٤) (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) أي موسى بن عمران عليهالسلام (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) أي غليظا شديدا. وقوله تعالى مخاطبا الكفارين المكذبين (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) أي عذاب يوم (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) وذلك لهوله وللكرب الذي يقع وحسبه أن (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ (٥) بِهِ) أي منشقة بسبب أهواله. وذلك يوم يقول الرب تعالى لآدم يا آدم ابعث بعث النار أي خذ من كل ألف من أهل الموقف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ولم ينج من كل ألف إلا واحد هنا يشتد البلاء ويعظم الكرب. وقوله (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) أي وعده تعالى بمجيء هذا اليوم كان مفعولا أي كائنا لا محالة وقوله (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) أي إن هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة وأهوالها تذكرة وعظة وعبرة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) فليتخذها وهي الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي.
__________________
(١) لما أمره بالانقطاع إليه بالعبادة أمره بالصبر على ما يقوله خصومه من كفار قريش من طعن فيه وفي أتباعه وفيما جاء به أيضا من الهدى والنور.
(٢) الهجر الجميل هو الذي يكتفى فيه بحقيقة الهجران وهي المقاطعة لا غير فليس هناك أذى معها والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه والجهر الجميل الذي لا عتاب معه والصفح الجميل هو الذي لا مؤاخذة معه.
(٣) قال مقاتل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة. قالت عائشة رضي الله عنها لما نزلت هذه الآية لم يكن (يسير) حتى وقعت وقعة بدر.
(٤) الكلام مستأنف ابتدائي والمناسبة هي التخلص من الأمر بالصبر إلى ذكر وعيد القوم وذكر فرعون بالذات لأنه أهلكه غروره وتكبره كما هي حالة أكابر مجرمي مكة ، فسوف يحل بهم ما حل بفرعون من الهلاك.
(٥) لم يقل منفطرة بالهاء لأن السماء يذكر ويؤنث أو هو كقولهم امرأة مرضع أي ذات إرضاع ، والسماء ذات انفطار.