(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) : أي النفخة الأولى نفخة الفناء التي يتزلزل كل شيء معها.
(تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) : أي النفخة الثانية.
(واجِفَةٌ) : أي خائفة قلقة.
(أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) : أي أنرد بعد الموت إلى الحياة إذ (١) الحافرة اسم لأول الأمر.
(تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) : أي رجعة إلى الحياة خاسرة.
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) : أي نفخة واحدة.
(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) : أي بوجه الأرض أحياء سميت ساهرة لأن من عليها بها يسهر ولا ينام.
معنى الآيات :
قوله تعالى (وَالنَّازِعاتِ (٢) غَرْقاً) الآيات هذا قسم عظيم أقسم تعالى به على أنه لا بد من البعث والجزاء حيث كان المشركون ينكرون ذلك حتى لا يقفوا عند حد في سلوكهم فيواصلوا كفرهم وفسادهم جريا وراء شهواتهم كل أيامهم وطيلة حياتهم كما قال تعالى (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) فأقسم تعالى بخمسة أشياء وهي النازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات ، ورجح أنهم أصناف من الملائكة وجائز أن يكون غير (٣) ذلك ولا حرج إذ العبرة بكونه تعالى قد أقسم ببعض مخلوقاته على أن البعث حق ثابت وواقع لا محالة ، وتقدير جواب القسم بلتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم إذ هو معهود في كثير من الإقسام في القرآن كقوله تعالى من سورة التغابن (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وسيتم ذلك البعث والجزاء (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (٤) التي هي النفخة الأولى التي ترجف فيها العوالم كلها ويفنى فيها كل شيء ، ثم (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) وهي النفخة الثانية وهي نفخة البعث من القبور أحياء وأن بين النفختين
__________________
(١) يقال : رجع فلان إلى حافرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها برجليه وهو يمشي قال الشاعر :
أحافرة على صلع وشيب |
|
معاذ الله من سفه وعار |
أي أرجع إلى حالة الشباب بعد الصلع والشيب ، والشاهد في إنكاره الرجوع إلى حياته الأولى.
(٢) (النَّازِعاتِ) جمع نازعة وهي الجماعة من الملائكة والنزع هو اخراج الروح من الجسد مشبه بنزع الدلو من البئر. ولذا يقول فلان في حالة النزع للمحتضر وغرقا اسم مصدر عدل عن المصدر الذي هو إغراقا لمناسبة سبحا ونشطا وسبقا في الآيات ومعناه الإغراق في نزع الروح من أقصى الجسد.
(٣) إذ يرى بعضهم أنها النجوم ويرى بعضهم أنها جماعات الخيل الغازية ، والرماة أو الفرسان إلا أن الراجح أنها الملائكة ، فالنازعات الملائكة تنزع أرواح الكافرين والنشاطات تنشط أرواح المؤمنين نشطا تأخذها بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير والسابحات تسبح بأرواح المؤمنين ترفعها إلى الملكوت الأعلى ، فالسابقات الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء ، فالمدبرات ، الملائكة تقوم بتدبير ما أسند الله إليها كقبض الأرواح ، وإنزال الأمطار وإرسال الرياح ، ونفخ الأرواح إلى غير ذلك.
(٤) إطلاق الراجفة والرادفة على الصيحة إطلاق سائغ وهو إطلاق على مسببة الراجفة وهي الصيحة والرادفة التي جاءت بعدها وهي الصيحة الثانية.