عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سيّما والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضا ، بدلالتهما معا على أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد. (فَآمَنَ) هذا الشاهد (١) (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ (٢) الظَّالِمِينَ) أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإلهية وقوله تعالى في الآية (١١) (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) هذا القول جائز أن يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها ، وجائز أن يقوله المشركون في مكة وفي غيرها من العرب إذ المقصود هو الاعتذار عن عدم قبول الإسلام بحجة انه لا فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ولا خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادية لاعتنقوه ودخلوا فيه ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين. وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ (٣) آمَنُوا) أي في شأن الذين قالوا لو كان الإسلام خيرا ما (٤) سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا. وقوله تعالى (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم فعموا فلم يهتدوا بالقرآن فسيقولون (٥) (هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) وقد قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد وعثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا القول وما أقبحه وأقبح قائله.
وقوله تعالى (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وهو ما دل عليه قوله (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) لما قبله من الكتب (لِساناً عَرَبِيًّا) أي أنزلناه لسانا (٦) عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه
__________________
(١) لا حاجة إلى أن نقول الشاهد هو موسى عليهالسلام بحجة أن السورة مكية ، وعبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة ، إذ من الجائز أن تكون السورة مكية والآيات مدنية ، وهو الحق في هذه والله أعلم.
(٢) الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلام وهو : ضللتم ضلالا لا يرجى لكم هداية بعده ، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.
(٣) اللام تعليلية أي : قالوا ما قالوه لأجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ولا يقبلوا الإسلام.
(٤) ضمير (سَبَقُونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلال وعمار ووالده وسميّة وزنيرة على وزن شرّيرة ، وسكيرة : أمة رومية كانت من السابقات إلى الإسلام.
(٥) المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن : قالوا هذا إفك قديم.
(٦) كلمة (لِساناً) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة لا الأخلاق والعادات العربية والأحكام القبلية لأنها فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قرونا عديدة.