الإنسان فقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) (١) أي جنس الإنسان أي أمرناه بما هو آكد من الأمر وهو الوصيّة بوالديه أي أمه وأبيه إحسانا بهما وذلك بكف الأذى عنهما وإيصال الخير بهما وطاعتهما في المعروف وببرهما أيضا بعد موتهما. فمن الناس من ينفذ هذه الوصية ومنهم من يهملها ولا ينفذها وقوله ، (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) بيان لوجوب الإحسان بهما وبرهما إذ معاناة الأم وتحملها مشقة الحمل تسعة أشهر ومشقة الوضع وهي مشقة لا يعرفها إلا من قاسى آلامها كالأمهات. وقوله (وَحَمْلُهُ (٢) وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) بيان لمدة تحمل المشقة إنها ثلاثون شهرا بعضها للحمل وبعضها للإرضاع والتربية وقوله تعالى (حَتَّى إِذا بَلَغَ) أي عاش حتى إذا بلغ أشده أي اكتمال قواه البدنية والعقلية وذلك من ثلاث وثلاثين سنة إلى الأربعين (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ (٣) سَنَةً) قال أي الإنسان البار بوالديه المنفذ للوصية الإلهية كأبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ بلغ الأربعين من عمره بعد البعثة المحمدية بسنتين. (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) (٤) وهي نعمة الإيمان والتوحيد والإسلام عليّ (وَعَلى والِدَيَ) إذ آمن وآمن أبواه أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي وآمنت أمه أم الخير سلمى ، وأولاده عامة من بنين وبنات ولم يحصل لأحد من الصحابه أن سأل ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لأن يشكر نعمة الله عليه وعلي والديه بالإسلام ، وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله ويتقبله عن صاحبه ، وقد استجاب له ربه فأعتق تسعة أعبد مؤمنين من استرقاق الكافرين لهم منهم بلال رضي الله عنه ، وقوله (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أي اجعل الصلاح ساريا في ذريتي حتى يشملهم جميعا وقد استجاب الله تعالى له فآمن أولاده أجمعون ذكورا وإناثا ، وقوله (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) هذا توسل منه رضي الله عنه لقبول دعائه فقد توسل إلى ربّه بالتوبة من الشرك والكفر إلى الإيمان والتوحيد ، وبالإسلام إلى الله وهو الخضوع لله والانقياد لأمره ونهيه. وقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ (٥) ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) فلا يؤاخذهم بها بعد توبتهم منها في جملة أصحاب الجنة إذ لا يدخل الجنة أحد إلا بعد مغفرة ذنبه ، وقوله (وَعْدَ الصِّدْقِ) (٦)
__________________
(١) روي من عدة طرق أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(٢) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا هذه الآية الكريمة مع قوله تعالى من سورة البقرة : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) دلّتا على أن أقل مدة الحمل : ستة أشهر ، فلا يثبت الحمل بأقل من ستة أشهر ويثبت بالستة والسبعة والثمانية والتسعة ، فمن بنى بامرأة وولدت قبل ستة أشهر من البناء بها فالولد لا يلحق الزوج.
(٣) لم خص الدعاء للوالدين في هذا الوقت بالذات؟ لأنه وقت يصبح فيه الولد مشغولا بزوجة وأولاد وتكاليف فهو في هذه الحال أحوج ما يكون إلى عون الله تعالى على بر والديه.
(٤) من بركة صلاح الذرية أن يدعو الولد لوالده بعد موته ففي صحيح الحديث : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له).
(٥) قرأ نافع : يتقبل ويتجاوز بالبناء للمفعول ، وأحسن مرفوع نائب فاعل ، وقرأ حفص بنون المتكلم فيهما ونصب (أَحْسَنَ) على أنه مفعول به.
(٦) الوعد : مصدر بمعنى المفعول كالرد بمعنى المردود.