معنى الآيات :
لما ذكر تعالى ما توعد به الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم أخبر رسوله معرضا بمشركي قومه وطغاتهم الذين آذوا المؤمنين في مكة من أجل إيمانهم أخبره بقوله (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ (١) لَشَدِيدٌ) أي إن أخذه إذا بطش أخذه أليم شديد ودلل على ذلك بقوله (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) فالقادر على البدء والإعادة بطشه شديد. وقوله (يُبْدِئُ) أي الخلق ثم يعيده. ويبدىء العذاب (٢) أيضا ثم يعيده (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) فهو قادر على البطش بأعدائه ، وهو الغفور لذنوب أوليائه (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) أي صاحب العرش خلقا وملكا المجيد العظيم الكريم ، (فَعَّالٌ لِما (٣) يُرِيدُ) إذ لا يكره تعالى على شيء ولا يقدر أحد على إكراهه.
وقوله تعالى (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) كيف أهلكهم الله لما طغوا وبغوا وكفروا وعصوا نعم قد أتاك وقرأته عى قومك الكافرين ولم ينتفعوا به لأنهم يعيشون في تكذيب لك يحيط بهم لا يخرجون منه لأنه تكذيب ناشئ من الكبر والحسد والجهل فلذا هم لم يؤمنوا بعد. وقوله تعالى (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٤) أي هم في قبضته وتحت قهره وسلطانه لا يخفى عليه منهم شيء ولا يحول بينه وبينهم متى أراد أخذهم شيء. وقوله تعالى (بَلْ هُوَ (٥) قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٦) يرد بهذا على المشركين الذين قالوا في القرآن إنه سحر وشعر وأساطير الأولين فقال ليس هو كما قالوا وادعوا وإنما هو قرآن مجيد في لوح محفوظ من الشياطين فلا تمسه ولا تقربه ولا من غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تهديد الظلمة بالعذاب عقوبة في الدنيا وفي الآخرة.
__________________
(١) يرى بعضهم أن قوله (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) هو جواب القسم (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ). وأنه وإن كان جائزا فإن تقديره في أول الكلام أولى من تأخيره. وهذه الآية مستأنفة تحمل الوعيد والتعريض بمجرمي قريش كأبي جهل وأضرابه.
(٢) إنه هو يبدىء ويعيد الجملة تعليلية إذ الذي يبدي ويعيد لا يكون بطشه إلا قويا شديدا ومن مظاهر الكمال الألهي جمعه بين صفتي البطش ، والمغفرة والود ، فهنيئا لأوليائه ، ويا ويل أعدائه.
(٣) روي أن أناسا دخلوا على أبي بكر في مرضه الذي مات فيه يعودونه فقالوا له ألا نأتيك بطبيب؟ قال قد رآني قالوا فما قال لك؟ قال قال لي : إني فعال لما أريد وفي بعض الروايات قال الطبيب أمرضني.
(٤) فهو قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون ، وعاد وثمود قبله.
(٥) (بَلْ) للإضراب الإبطالي أي ليس القرآن كما يصفونه بأنه أساطير الأولين ، وإفك مفترى وما إلى ذلك مما قالوه في القرآن من رده وعدم الإيمان به بل هو قرآن مجيد بالغ الغاية في المجد والشرف والسمو والعلو في ألفاظه ومعانيه ، وما يحمل من هدى وتشريع وأنه في مناعته لا تصل إليه أيدي الخلق بالتحريف والتبديل إذ هو في لوح محفوظ.
(٦) قرأ نافع وحده يرفع محفوظ صفة القرآن وجره الباقون حفص وغيره على أنه نعت للفظ لوح وحفظ اللوح حفظ للقرآن المكتوب عليه.