إنهم قطعوا الصخور نحتا لها فجعلوا منها البيوت والمنازل كما قال تعالى عنهم (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) والمراد بالواد واديهم الذي كان بين جبلين من جبالهم التي ينحتون منها البيوت. فمعنى جابوا الصخر بالواد أي قطعوا الصخور بواديهم وجعلوا منها مساكن لهم تقيهم برد الشتاء القارص وحر الصيف اللافح ، ومع هذا فقد أهلكهم الله ذو القوة المتين وقوله (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي (١) الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) وانظر يا رسولنا كيف فعل ربك بفرعون صاحب المشانق والقتل والتعذيب إذ كان له أربعة أوتاد إذا أراد قتل من كفر به وخرج عن طاعته قيد كل يد بوتد وكل رجل بوتد ويقتله كما هي المشانق التي وضعها الطغاة الظلمة فيما بعد. وقوله تعالى (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) وهو الشرك والمعاصي فأهلكهم الله أجمعين عاد إرم وثمود وفرعون وملأه إذ (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (٢) أي نوع عذاب من أنواع عذابه فأهلك عاد إرم بالريح الصرصر ، وثمود بالصيحة العاتية ، وفرعون بالغرق في البحر. وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي لكل جبارعات وطاغية ظالم أي هو تعالى يرصد أعمال العباد ليجزيهم بها في الدنيا وفي الآخرة. ولفظ المرصاد يطلق على مكان يرصد فيه تحركات الصيد الذي يصاد ، أو تحركات العدو وهو كبرج المراقبة. والرب تبارك وتعالى فوق عرشه والخليقة كلها تحته يعلم ظواهرها وبواطنها ويراقب أعمالها ويجزيها بحسبها قال تعالى (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ).
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ فضل الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى العاشر منه.
٢ ـ بيان مظاهر قدرة الله في إهلاك الأمم العاتية والشعوب الظالمة مستلزم لقدرته تعالى على البعث والجزاء والتوحيد والنبوة وهو ما أنكره أهل مكة.
٣ ـ التحذير من عذاب الله ونقمه فإنه تعالى بالمرصاد فليحذر المنحرفون عن سبيل الله والحاكمون بغير شرعه والعاملون بغير هداه أن يصب عليهم سوط عذاب.
__________________
(١) جائز أن يكون الموصول مرادا به عاد إرم وثمود وفرعون ، وكونه عائدا إلى فرعون أولى وإن كان الجميع طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد بالشرك والظلم والفساد.
(٢) السوط آلة ضرب يتخد من جلد يضفر ظفرا فيصبح كالعصا فتضرب به الخيل لتسرع في جريها ، ويطلق العرب لفظ سوط على كل عذاب يكون فيه السوط ، وسوط عذاب هو من إضافة الصفة إلى الموصوف إذ كلمة سوط صفة للعذاب والعرب يطلقون لفظ سوط العذاب على كل نهاية العذاب حتى قال الشاعر :
ألم تر أن الله أظهر دينه |
|
وصب على الكفار سوط عذاب |