قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي (١) أَنْ أُخْرَجَ (٢) وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) يخبر تعالى عن أخبث إنسان هو ذاك الملحد العاق لوالديه المنكر للبعث والجزاء إذ قال لوالديه أمه وأبيه أف لكما أي نتنا وقبحا لكما أتعدانني بأن أخرج من قبري حيا بعد ما مت ، وقد مضت أمم وشعوب قبلي ، وما خرج منها أحد من قبره فكيف تعدانني أنتما ذلك إن هذا لتخلف عقلي وتأخر حضاري وقوله تعالى (وَهُما (٣) يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أي ووالداه يستغيثان الله ويستصرخانه طلبا إغاثتهما بهداية ولدهما الملحد الشيوعي ، ويقولان للولد ويلك أي هلاكك حضر يا ولد هلكت آمن بالبعث والجزاء وصلّ وصم واترك الزنا والخمر ويلك إن وعد الله حق أي إن ما وعد الله به عباده من إحيائهم للحشر والحساب والجزاء حق فلا يتخلف أبدا فيرد عليهما الولد الملحد الدّهريّ بما أخبر تعالى به عنه في قوله فيقول (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٤) أي أكاذيبهم التي كانوا يعيشون عليها ويقصونها في مجالسهم ، وبما أن الذي قال لوالديه لفظه مفرد ولكنه دال على جنس كان الخبر جمعا فقال تعالى في الإخبار عنهم (أُولئِكَ الَّذِينَ (٥) حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي القول بالعذاب الدال عليه قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، وفي قوله (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي في جملة أمم سبقتهم في الإلحاد والكفر من العالمين عالم الجن وعالم الإنس وقوله (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (٦) وأي خسران أعظم من عبد يخسر نفسه وأهله ويعش في جهنم خالدا فيها أبدا. وقوله تعالى (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ (٧) مِمَّا عَمِلُوا) أي ولكل من المؤمنين البارين والكافرين العاقين درجات مما عملوا من خير أو شر إلا أن درجات المؤمنين في الجنة تذهب في علو متزايد ودرجات الكافرين في النار تذهب في سفل متزايد إلى أسفل سافلين. وقوله تعالى (وَلِيُوَفِّيَهُمْ (٨) أَعْمالَهُمْ) كاملة غير منقوصة الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها وهم لا يظلمون بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة. وقوله تعالى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين يوم يعرضون على النار ويقال لهم في توبيخ وتقريع (أَذْهَبْتُمْ
__________________
(١) (أَتَعِدانِنِي) الاستفهام للإنكار والتعجب.
(٢) (أَنْ أُخْرَجَ) أي : من قبري حيا بعد موتي وفنائي ، إنكارا منه للبعث الآخر.
(٣) وقد أجاب الله دعاء أبي بكر وزوجه أم رمان حيث أسلم ابنهما رضي الله عنهم أجمعين.
(٤) (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : أحاديثهم وما سطروه مما لا أصل له.
(٥) الإشارة هنا إلى أولئك الذين ذكرهم ابن أبي بكر كعبد الله بن جدعان وعثمان بن عمرو ومشايخ قريش فقال أين فلان وأين فلان إنكارا منه للحياة بعد الموت.
(٦) خسروا أعمالهم حيث ضاع سعيهم في الحياة الدنيا وخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
(٧) (وَلِكُلٍ) التنوين عوض أي : لكل من الفريقين المؤمنين والكافرين الأبرار والفجار درجات مما عملوا ، وهي مراتبهم التي لهم في الجنة أو في النار.
(٨) قرأ الجمهور ولنوفيهم بالنون وقرأ حفص (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) بالياء.