(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) : أي المؤمنة الآمنة اليوم من العذاب لما لاح لها من بشائر النجاة.
(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) : أي إلى جواره في دار كرامته أي الجنة.
(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) : أي في جملة عبادي المؤمنين المتقين.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي) : أي دار كرامتي لأوليائي.
معنى الآيات :
قوله تعالى (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (١) هو كقوله (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) (وَجاءَ رَبُّكَ) أي لفصل القضاء (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢) بعد صف ، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك. هنا وفي هذا اليوم وفي هذه الساعة (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) (٣) المهمل المفرط المعرض عن دعوة الرسل ، الكافر بلقاء الله والجزاء على الأعمال (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) هنا يتذكر وماذا يتذكر؟ ، وكفره كان عريضا وشره كان مستطيرا ، ماذا يتذكر وهل تنفعه الذكرى ، اللهم لا ، لا وماذا عساه أن يقول في هذا الموقف الرهيب يقول نادما متحسرا (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) أي هذه الحياة الماثلة بين يديه ، وهل ينفعه التمني اللهم لا ، لا.
قال تعالى مخبرا عن شدة العذاب وقوة الوثاق (فَيَوْمَئِذٍ) أذ تقوم القيامة ويجيء الرب لفصل القضاء ويجاء بجهنم ويتذكر الإنسان ويأسف ويتحسر في هذا اليوم يقضي الله تعالى بعذاب أهل الكفر والشرك والفجور والفسوق فيعذبون ويوثقون بأمر الله وقضائه في السلاسل ويغلون في الأغلال ويذوقون العذاب والنكال الأمر الذي ما عرفه الناس في الدنيا أيام كانوا يعذبون المؤمنين ويوثقونهم في الحبال وهو ما أشار إليه بقوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ) (٤) (عَذابَهُ أَحَدٌ) أي لا يعذب عذاب احد في الدنيا مهما بالغ في التعذيب عذاب الله في الآخرة (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) أي (٥) لا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله في الآخرة هذه صورة من عذاب الله لأعدائه من أهل الشرك به والكفر بآياته ورسوله ولقائه وأما أهل الإيمان به وطاعته وهم أولياؤه الذين آمنوا في الدنيا وكانوا يتقون فها هم ينادون فاستمع (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) إلى صادق وعد الله ووعيده في كتابه وعلى لسان رسوله فآمنت واتقت وتخلت عن الشرك والشر فكانت مطمئنة بالإيمان وذكر الله قريرة
__________________
(١) الدك الحطم والكسر ، ودك الأرض تحطيمها وتفريق أجزائها.
(٢) الملك اسم جنس المراد به الملائكة وصفا صفا أي صفا بعد صف أي خلفه ووراءه.
(٣) (أَنَّى) اسم استفهام بمعنى أين له الذكرى والاستفهام مستعمل في الإنكار والنفي معا والتقدير وأين له نفع الذكرى
(٤) جائز أن يعود الكلام على الإنسان الكافر ويكون معناه أنه يعذب عذابا لا يعذبه أحد غيره ويوثق وثاقا لا يوثقه غيره من الموثقين ، وما في التفسير أولى.
(٥) الوثاق بمعنى الإيثاق يقال أوثقته إيثاقا.