معنى الآيات :
قوله تعالى (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ (٢) رَبُّكَ وَما قَلى) هذا قسم من الله تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم أقسم له به على أنه ما تركه ولا أبغضه. وذلك أنه أبطأ عنه الوحي أياما فلما رأى ذلك المشركون فرحوا به وعيروه فجاءت امرأة وقالت (٣) له ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فحزن لذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله سورة الضحى يقسم له فيها بالضحى وهو أول النهار من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل ، وبالليل إذا سجى أي غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة فيه (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) يا محمد أي تركك (وَما قَلى) أي ما أبغضك (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) أي الدنيا وذلك لما أعد الله لك فيها من الملك الكبير والنعيم العظيم المقيم. وسوف يعطيك ربك من فواضل نعمه حتى ترضى في الدنيا من كمال الدين وظهور الأمر في الآخرة الشفاعة وأن لا يبقى أحد من أمته أهل التوحيد في النار والوسيلة والدرجة الرفيعة التي لا تكون لأحد سواه.
وقوله تعالى (أَلَمْ يَجِدْكَ (٤) يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) هذه ثلاث منن لله تعالى على رسوله منها عليه وذكره بها ليوقن أن الله معه وله وأنه ما تركه ولن يتركه وحتى تنتهي فرحة المشركين ببطء الوحي وتأخره بضعة أيام. فالمنة الأولى أن والد النبي صلىاللهعليهوسلم قد مات عقب ولادته وأمه ماتت بعيد فطامه فآواه ربه بأن ضمه إلى عمه أبي طالب فكان أبا رحيما وعما كريما له وحصنا منيعا له ، ولم يتخل عن نصرته والدفاع عنه حتى وفاته والثانية منة العلم والهداية فقد كان صلىاللهعليهوسلم يعيش في مكة كأحد رجالاتها لا يعرف علما ولا شرعا وإن كان معصوما من ممارفة أي ذنب أو ارتكاب أية خطيئة إلا أنه ما كان يعرف إيمانا ولا إسلاما ولا شرعا كما قال تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) والثالثة منته عليه بالغنى بعد الحاجة فقد مات والده ولم يخلف أكثر من جارية هي بركة أم أيمن وبضعة جمال ، فأغناه الله بغنى القناعة فلم يمد يده لأحد قط وكان يقول
__________________
(١) هذا القسم لتأكيد الخبر الذي حملته الآيات بعده ، وكتبت (الضحى) بالألف المقصورة وأصلها الواو فكان المفروض أن تكتب بالألف الثابتة ولم تكتب بها مراعاة للمناسبة مع أكثر الكلمات : سجى وقلى والأولى
(٢) (ما وَدَّعَكَ) جواب القسم ولم يقرن باللام ، لأن الجملة المنفية لا تتطلب اللام. وما قلى معطوفة على ما ودعك ومعنى ما ودعك ما تركك ومعنى وما قلاك ما أبغضك شديد بغض ولا ضعيفه.
(٣) في البخاري عن جندب بن سفيان قال اشتكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة هي أم جميل العوراء امرأة أبي لهب : فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ولم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثة فأنزل الله والضحى. وقيل لما سئل عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين ، فقال سأخبركم غدا ولم يستثن فعوتب بانتظار الوحي خمسة عشر يوما وقال المشركون قلاه. فأنزل الله سورة الضحى.
(٤) الاستفهام للتقرير وكذا الاستفهامات بعده.