(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي وإن الله تعالى على هذا الوصف في الإنسان لشهيد فأخبر تعالى بما علمه من الإنسان وشهد به عليه كما أن الإنسان شهيد بأعماله وصنائع أقواله وأفعاله شهيد على نفسه بالكفر والجحود. وقوله (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) هذا مما أقسم تعالى عليه أيضا وهو وصف للإنسان الكنود وهو انه شديد حب المال وسمي المال خيرا تسمية (١) عرفية إذ تعارف الناس على ذلك كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة الله تعالى.
وقوله تعالى (أَفَلا (٢) يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ (٣) ما فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) أي أيكفر الإنسان بربه ويجحد نعمه عليه وإحسانه إليه ويحب المال أشد الحب فيمنع حقوق الله فيه ويكتسبه مما حرم الله عليه وقوله تعالى (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا (٤) بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي بعثرت القبور وأخرج ما فيها من البشر للحساب والجزاء ووقفوا بين يدي الله تعالى وأفرز وبين ما كان خفيا في الصدور من الاعتقادات والنيات الصالحة والفاسدة ولا يخفى على الله تعالى منهم شيء حيث (إِنَّ رَبَّهُمْ (٥) بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) كما هو اليوم خبير إلا أنها ساعة الحساب والمجازاة فذكر فيها علم الله تعالى وخبرته بالظواهر والبواطن والضمائر والسرائر فلا يخفى على الله من ذلك شيء وسيتم الجزاء العادل بحسب هذا العلم وتلك الخبرة الإلهية. فلو علم الكفور من الناس المحب للمال هذا وأيقنه لعدل من سلوكه وأصلح من اعتقاده ومن أقواله وأعماله فالآيات دعوة إلى مراقبة الله تعالى بعد الإيمان والاستقامة على طاعته.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ الترغيب في الجهاد والإعداد له كالخيل أمس ، ونفاث الطائرات اليوم.
٢ ـ بيان حقيقة وهي أن الإنسان كفور لربه ونعمه عليه يذكر المصيبة إذا أصابته وينسى النعم التي غطته إلا إذا آمن وعمل صالحا.
__________________
(١) شاهده قوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) الآية. وقال عدي :
ما ذا ترجي النفوس من طلب |
|
الخير وحب الحياة كاربها |
كاربها غامها من الكرب الذي هو الغم.
(٢) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للتفريع ، والمفعول محذوف لتذهب النفس في طلبه مذاهب تقديره أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور العذاب الذي هو جزاء الكفر والجحود والبخل.
(٣) (حُصِّلَ) معناه جمع وأحصى أو جمع وعد ليحاسب العبد عليه.
(٤) (بُعْثِرَ) أي قلب من أسفل إلى علو ، والمراد إحياء ما في القبور من الأموات.
(٥) هذه الجملة مستأنفة علة لتحقيق الجزاء وإثباته ذلك الجزاء الذي يحصل يوم خروج الناس من قبورهم وحسابهم على أعمالهم.