والتفاخر الأمر الذي ألهاهم عن طاعة الله ورسوله فماتوا ولم يقدموا لأنفسهم خيرا فقال تعالى لهم ألهاكم أي شغلكم التكاثر أي في الأموال للتفاخر بها والمباهاة بكثرتها (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (١) أي بعد موتكم نقلتم إليها لتبقوا فيها إلى أن تخرجوا منها للحساب والجزاء أي يوم القيامة. وقوله لهم (كَلَّا) أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فارتدعوا عن هذا السلوك المفضي بكم إلى الهلاك والخسران. (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة تشاغلكم عن طاعة الله وطاعة رسوله والتزود للدار الآخرة (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ (٢) تَعْلَمُونَ) كرر الوعيد والتهديد. وقوله (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٣) أي (٤) حقا لو تعلمون ما تجدونه في قبوركم ويوم بعثكم ونشوركم لما تشاغلتم بالأموال وتكاثرتم فيها. وقوله (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) هذا جواب قسم نحو وعزتنا لترون الجحيم أي النار وذلك يوم القيامة المشرك يراها ويصلاها والمؤمن يراها وينجيه الله تعالى منها. (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) أي الأمر الذي لا شك فيه إذ يؤتى بجهنم فيراها أهل الموقف أجمعون وقوله (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ) أي يوم ترون الجحيم عين اليقين (عَنِ النَّعِيمِ) (٥) الذي كان لكم في الدنيا من صحة وفراغ وأمن وطعام وشراب. فمن أدى شكره نجا ، ومن لم يؤد شكره أخذ به ولا يعفى إلا عن ثوب يستر العورة وكسرة خبز تسد الجوعة وجحر يكن من الحر والبرد وقد صح أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأبي بكر وعمرو ابن التيهان [هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة يشير إلى بسر ورطب وماء بارد] وصح أيضا [انه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم انفقه؟]
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ التحذير من جمع المال وتكثيره مع عدم شكره وترك طاعة الله ورسوله من أجله.
__________________
(١) في صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر ، قال : يقول ابن آدم : مالي مالي وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس. وروى البخاري قوله صلىاللهعليهوسلم لو أن لابن آدم واديا من ذهب لأحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب.
(٢) هذه الجملة توكيد للأولى وهي سوف تعلمون ، ومفعول تعلمون محذوف تقديره تعلمون سوء مغبة لهوكم بالتكاثر مشغولين عن طاعة الله ورسوله مشغولين بجمع الأموال والتكاثر بها.
(٣) جواب (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) محذوف كما حذف الأول تقديره لتبين لكم حال مفظع عظيم والإضافة في علم اليقين إضافة بيانية لأن اليقين علم.
(٤) وجائز أن تكون كلاهما كالأولى للردع والزجر وكونها بمعنى حقا أولى.
(٥) اختلف في تحديد النعيم المذكور الذي نسأل عنه يوم القيامة فقيل له الأمن والصحة وقيل الصحة والفراغ ، وقيل شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن. وفي البخاري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ.