ويجعلون هذا الاسم مشتركا بينهما ، قال القرشي : وهذا بعيد عن التحصيل ؛ لأن من ينفي الكلام النفسي كيف يسلم أن الاسم موضوع عليه بالاشتراك ، وأيضا فالعرب لا يعقلون الكلام النفسي فضلا عن أن يضعوا له عبارة أو يشركوا بينه وبين غيره فيها ، يوضحه أنه إذا أطلق لفظ الكلام فإنما يسبق أفهامهم إلى هذا المسموع.
واعلم : أنه لا خلاف في (أنّ هذا القرآن المتلو في المحاريب ، الموجود بين المسلمين) هو القرآن ، ومحل الخلاف هل هو (كلام الله تعالى دون أن يكون كلاما لغيره) أولا؟
فالذي عليه أهل العدل بل جميع الفرق المقرة بنبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنه كلام الله ووحيه ، وتنزيله ، أي : كلامه عرفا لا لغة ؛ لأن المتكلم لغة : المحدث للكلام والمتفوه ، به ومخرجه من العدم إلى الوجود ، والمتلو ليس كذلك بل المحدث له والمتكلم هو المتفوه به ، وهو الذي يمدح على قراءته ويذم ويثاب ويعاقب بحسب اختلاف الأحوال.
والمتكلم في العرف : من كان أنشأ ذلك الكلام ونظم ألفاظه ، وإن احتذى غيره على ذلك ونطق به كما نطق به المبتدئ وذلك ظاهر ، وخالف في ذلك الأشعرية والكلابية والمطرفية (١) والباطنية (٢) ، فهؤلاء جميعا قالوا : إن هذا القرآن ليس بكلام الله لا لغة ولا عرفا ، ثم افترقوا فقالت الأشعرية : كلام الله معنى قديم قائم بذاته والمتلو عبارة عنه ، ومثله قالت الكلابية إلا أنهم بدلوا لفظة قديم بأزلي ، ولفظ العبارة
__________________
(١) المطرفية : يعدون من فرق الزيدية المنفصلة عنها ، وهم أصحاب مطرف بن شهاب ، وقد انقرضت هذه الفرقة وكانت تنحو في كثير من آرائها منحى الطبائعية ، وقد ورد التعريف بهم وذكر بعض أقوالهم وتفنيدها في شرح الأساس الكبير.
(٢) الباطنية : قال الإمام المهدي ـ عليهالسلام ـ : والباطنية في الحقيقة خارجون عن الإسلام لما سيأتي من تحقيق مذهبهم في الصانع وإنكارهم المعاد الجسماني ، وقد علم من دين النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ضرورة ، لكن انتحلوه ظاهرا فعدوا من فرقهم ، وأصول مذهبهم تعود إلى مذاهب الفلاسفة أو المجوس ؛ لأن نشوء مذهبهم يشهد لذلك كما سنحققه ، ولا فرقة من فرق الملحدة أعظم ضررا منهم ولا أقل تحصيلا ، ولا يكاد يعرف مذهبهم لتسترهم وإحداثهم كل وقت مذهبا حكى ذلك الحاكم ا. ه.