الحوادث فلا أول لها ، فكذلك لا أول له ، وقولهم بحوادث لا أول لها ظاهر الفساد ؛ لأنه إذا كان كل واحد من هذه الحوادث له فاعل كما سيأتي ، وحق الفاعل أن يتقدم على فعله كان في ذلك تقدمه على جميعها ، فلا يستقيم حصول شيء منها فيما لا أول له لتقدم غيرها عليها.
(فثبت) بما تقرر من الأصول الأربعة (أن هذه الأجسام محدثة) وظهر بطلان قول من قال بقدمها.
قيل : (و) قد اتفق العقلاء على أنه لا بد من محدث لهذا المحدث ، قيل : والعلم بذلك ضروري ، المهدي أحمد بن يحيى : بل استدلالي في الأصح ، وإليه ذهب الجمهور والمؤلف فقال : (والذي يدل على أن المحدث لا بد له من محدث أنه) قد وجد في بعض المحدثات ما فيه إحكام عظيم ، وصنعة باهرة ، وإتقان عجيب ، فلو كان ذلك لا من مؤثر ، أو من موجب لصح أن يجتمع ألواح في البحر ، ويتركب منها سفينة محكمة من دون صانع بطبع تلك الألواح ، وأيضا فإن الجسم (إذا كان في الأصل معدوما ، ثم خرج من العدم إلى الوجود لم يكن بد من مخرج أخرجه ، وإلا لوجب بقاؤه على عدمه الأصلي) إذ قد أثبتنا وجوده بالأدلة بعد أن لم يكن (وذلك يعلم بأدنى نظر) ولذلك ادعى بعضهم أنه ضروري كما سبق.
وإنما قلنا : أنه استدلالي ؛ لأنه لو كان ضروريا لكان بديهيا ؛ لأن الضروري الحاصل عن طريق ليس إلا عن المشاهدة ، أو الأخبار المتواترة ، أو عن الخبرة والتجربة على قول ، ولا شيء من هذه الطرق حاصل هاهنا ، ولو كان بديهيا أيضا لاشترك العقلاء فيه ، وفيه خلاف ثمامة فإنه يقول : لا محدث للمتولدات مع اعترافه بحدوثها ، وعوام الملحدة يقرون بحدوث الدجاجة والبيضة ولا يقرون بمحدث ، وكذلك سائر الحوادث اليومية.
(فثبت) بما تقرر من الأدلة (أن لهذا العالم صانعا صنعه ، ومدبرا دبره وهو الله)